آداب خالدة (أ)

الخميس، 24 أبريل 2014

 

مع كتاب (عودة الأمس) للشاعر / جمال البيلي

مع كتاب (عودة الأمس) للشــــاعــــر / جـــمـــال الـبــيــلي
أولا : الســيرة الذاتــية للشــاعــر/ جــمــال البــيــلي
بسم الله الرحمن الرحيم                                                            
 الشـــاعـــر/ جــــمـــال البـــيـــلي
الســـــــــــيرة الذاتـــــــــــية
*الاسم : جمال أحمد طه محمد البيلي.
*الجنسية : مصري ومن مواليد مدينة الإسكندرية عام  1965
*موظف بالإدارة الهندسية لحي الجمرك بمدينة الإسكندرية سابقاً ويعمل حالياً مدوناً بدون ان يتقاضى أى أجر.
*فنان شامل في مجالات الأدب والموسيقي والفن التشكيلي وبدأ رحلته مع الفنون من عام1981 وحتي الآن.
*في مجال الأدب : يكتب جميع فنون الأدب العربي
حيث يكتب : الشعر الفصيح - الزجل والأغنية - القصة الزجلية ـ القصة القصيرة - المسرحية - الرواية.
*في مجال الموسيقي : عازف أورج وبيانو وله محاولات متعددة في الغناء والتلحين.
*في مجال الفن التشكيلي : مصور فوتوغرافي محترف ومتخصص في فن البورتريه.
إنجازاته مع الفنون :
ـ1ـ قام بتأليف أكثر من 35 كتاباً متنوعاً في شتي مجالات الأدب العربي نجح فيها في إضافة فكراً جديداً وأسلوباً مبدعاً للأدب العربي في العصر الحديث.
ـ2ـ حصل علي المركز الأول فى الشعر علي مستوي  جمهورية مصر العربية في المسابقة القومية الخاصة بحماية البيئة والتي نظمتها وزارة الشباب المصرية بمدينة كفر الشيخ في عام 2000. 
ـ3ـ حصل علي المركز الأول في الزجل علي مستوي جمهورية مصر العربية في نفس المسابقة. 
ـ4ـ حصل علي المركز الثاني في الأغنية علي مستوي جمهورية مصر العربية في المسابقة القومية (لا للتدخين) والتي أقامتها وزارة الشباب المصرية بمدينة كفر الشيخ في عام 1999. 
ـ5ـ كما حصل علي المركز الأول في 4 مسابقات بمفرده وهي مسابقات الشعر والزجل والأغنية والقصة القصيرة علي مستوي مدينة الإسكندرية في تصفيات المسابقة السابقة. 
ـ6ـ حصل علي العديد من الجوائز وشهادات التقدير علي أعلي المستويات. 
ـ7ـ عضو عامل في إتحاد كتاب مصر. 
ـ8ـ عضو جماعة الأدب العربي بالإسكندرية.
ـ9ـ عضو كورال سيد درويش بمركز الإبداع بالإسكندرية. 
ـ10ـ عضومرسم مركزالإبداع اًيضاً بالإسكندرية. 
ـ11ـ نُشرت له العديد من الأعمال الأدبية في الصحف والمجلات. 
ـ12ـ شارك في العديد من المهرجانات الشعرية والأدبية والثقافية علي مستوي جمهورية مصر العربية. 
ـ13ـ شارك بالغناء في العديد من الحفلات الغنائية وعلي رأسها مهرجان سكندريات العالم الدولي. 
ـ14ـ قامت إذاعة الإسكندرية بإستضافته عدة مرات في مختلف برامجها الثقافية والأدبية مثل برنامج (صور من الشعر) وبرنامج
(مع هذا الأديب) وبرنامج (أدب الشاطئ) وبرنامج (المجلة الثقافية).
ـ15ـ لديه مجموعة كبيرة من الأغنيات معروضة علي لجان النصوص الغنائية بالإذاعة والتلفزيون. 
ـ16ـ لديه 105 أغنية تم تلحينها بالفعل وتوزيع بعضها توزيعاً موسيقياَ بواسطة كبار الملحنين والموزعين في الإسكندرية ومن بينها أغنيات قام بكتابتها بسبعة لغات وهي الإنجليزية والفرنسية والأسبانية والإيطالية والألمانية واليونانية بالإضافة إلي اللغة العربية.
ـ17ـ قام بترجمة خمسة كتب من مؤلفاته الأدبية من اللغة العربية إلي اللغة الإنجليزية وهذه الكتب هي:
(1) جنة الزيف (ديــــــــوان شـــــــعــــــر).
(2) أغنية حب (ديوان أغانى وأزجـــــــال).
(3) إغتيال قلب (ديوان أغانــــــى وأزجال).
(4) المرجيحة (ديوان أغانــــــــى وأزجال). 
(5) العاشق الكذاب (ديوان أغانى وأزجال).ـ 18ـ صدرت لهً خمسة كتب في الأسواق المصرية والعربية وقد حققت جميعها أعلي النسب في المبيعات وهذه الكتب هي:
(1) جـــنة الزيف  (ديـــــــوان شــــــعـــــر).
(2) عودة الأمس  (مجــموعة  قصــــــصية).
(3) أغنـــية حب  (ديوان أغاني وأزجــــال).
(4) زهرة من الجنة  (ديوان أغاني وأزجال).
(5) بستان العشــق  (ديوان أغاني وأزجـال).
ثم قام  بنفسه بتحويل كل مؤلفاته الأدبية  إلي كتبٍ إلكترونية ليتم عرضها وبيعها دائماً بالتجارة الإلكترونية للعالم كله من خلال موقعه علي الإنترنت وهو بعنوان:
 (آداب خالدة)((www.adabkhaleda.com واستمر عرض الكتب علي الموقع لمدة سنتين ونصف ثم توقف  الموقع لأسباب تقنية ثم قامت مجموعة شركات (Amazon) و(Smashwords) الأمريكية الشهيرة بنشر وتوزيع وبيع مؤلفاته من الكتب الإلكترونية ـ باللغة العربية والإنجليزية ـ علي الإنترنت لجميع أنحاء العالم.
(19) قام بعرض عشرة كتب أدبية متنوعة من مؤلفاته (بصوته) علي 40 شريط فيديو ووضعها دائماً علي موقع يوتيوب وذلك حتى يتمكن الجمهور من مشاهدتها وقراءتها مجاناً كما قام بنشر هذه الكتب العشرة في مدوناته باللغة العربية حتى يقرأها القراء بالمجان أيضاً ثم أضاف لها خمسة مدونات أخرى تحتوى علي خمسة كتب أدبية مترجمة من اللغة العربية إلي اللغة الإنجليزية.
(20) قام بتخصيص عدد كبير من مدوناته للتصوير الفوتوغرافي الذي يقوم به وذلك حتى يقوم بعرض صور رحلاته الخارجية حول العالم فيها كما قام بتخصيص مدونة خاصة بالفنون التشكيلية وذلك حتى يعرض فيها جميع الصور والرسومات التى رسمها بنفسه لكى يـُعبر بها عن أعماله الأدبية المنشورة في مؤلفاته وقد قام بنشر هذه المدونات باللغة الإنجليزية. 
(21) لديه دائماً جمهورعريض من عشاق فنه في كل أنحاء العالم .
*******************************
مــؤلـفـات الشــــاعـــر/ جـــــمــــال البــــــيلي
(1) جــنة الزيف   (ديـــــــــوان شــــــــعــــــر).
(2)عـودة الأمس  (مجــمــــوعة قصـــصـــــية).
(3) أغنـــية حب  (ديوان أغاني وأزجـــــــــال).
(4)زهرة من الجنة (ديوان أغـــــاني وأزجــال).
(5)بستان العشــق  (ديوان أغــــــاني وأزجـال).
(6) جنة الحب (ديوان أغاني وأزجال للأطـفال).
(7) إغتيال قلب  (ديوان  أغــــــــاني وأزجــال).
(8)  المرجيحة  (ديوان أغــــــــــــاني وأزجـال).
(9) العاشق الكذاب (ديوان أغــــــــاني وأزجال).
(10) كوكب السلام   ( مســـــــــــــــرحيــــــات).
(11) أزاهير المسرح (مســــــــــــــــرحيـــــات).
(12) مذبحة الضمير (مــــــــــــسرحــــــــــيات).
(13) وداعاً أيها الوفاء (مجـــــــموعة قصـصية).
(14) المدينة القاتلة  ( مجــموعة قصـــــــــصية).
(15) أكذوبة إسمها الحب (مجموعة قصـــصـية).
(16) بسمة المستحيل   (ديــــوان  شــــــــــــعر).
(17) لعبة السياسي الموسيقية(مجموعة قصصية).
(18) إغتيال شاعر ( رواية – الســــيرة الذاتـــية).
(19) أنفلوانزا الشعور   (مجموعة قصـــــــصيـة).
(20) ينابيع السقوط      (مجموعة قصـــــــــصية).
(21) كلمة السر : حرامي (مــســـــــرحــــــــيات).
(22) حديقة الحيوات (مجـموعة قصــــــــــــصية).
(23) الشخصية المثالية والطريق إلي السعادة(علم نفس إجتماعي).
(24) أشـــــــــجار الصــــمت (مجمــــــــوعة قصــــصية).
(25) فجـــــــــــــر الجحــــيم (مجــــــــموعة قصـــــصية).
(26) شــــجـــــرة الخــــــــيانة (مجـــــموعة قصـــــصية).
(27) مواطـــــــن آيـــــل للسقــــــوط (مسرحــــــــــــيات).
(28) أنشـــــــودة السكـــــــون (مجــــــموعة قصـــــصية).
(29) جــمــهــوريـة جــهـــنــم (مجـــــموعة قصــــــصية).
(30) مـــحـــاكـــمة عصـــــفور(مجــــــموعة قصـــــصية).
(31) بحـــــــيـــرة المــــهـــــــزلــــة (مـــــســــرحــــيات).
(32) التــــقـــدم إلي الخــــلـــف (مجـــــموعة قصــــصية).
(33) سيمــــفونية السقــــــوط (مجــــــموعة قصــــصـية). 
(34) إبتــــسم أنت في جهـــنم ! (مجــــــموعة قصـــصية).
(35) عـــــنـــاقـــيــد الــنـــفــاق (مجــــــموعة قصـــصية).
رحلته مع الفنون
أولاً: رحلة الأدب : بدأت حياته الأدبية في سن 11 سنة أثناء المرحلة الإبتدائية حيث لفتت كتاباته في موضوعات الإنشاء- نظر مدرسي اللغة العربية بالمدرسة فكان يحصل دائمأ علي الدرجات النهائية وكان يجيد حفظ الشعروإلقائه إجادة تامة ثم بدأ بعد ذلك يكتب ويقلد الشعر الذي كان يدرسه في كتاب المحفوظات في المرحلة الإبتدائية ثم في المرحلة الإعدادية - في صورة خواطر شعرية بسيطة ثم درس أثناء المرحلة الثانوية في دراسة خاصة – العديد من دواوين الشعر قديمه وحديثه ثم درس علم العروض وشتي علوم اللغة العربية فكتب بعد ذلك الشعر الفصيح والموزون والعمودي ثم إتجه إلي كتابة الزجل والأغنية وتتلمذ علي يد الشاعر الكبير/ أحمد السمرة الذي تنبأ له بمستقبل كبيرفي عالم الأغنية بصفة خاصة وفي الأدب العربي بصفة عامة وكان دائماً متواجداً في المحافل والمنتديات الأدبية ثم توالت بعد ذلك كتاباته في مجال القصة القصيرة ثم المسرحية ثم الرواية وكان ذلك بالطبع بعد دراسة مستفيضة ومتعمقة للأدب العربي من جهة وللأدب العالمي من جهة أخري وعلّم نفسه بنفسه من الألف إلي الياء.
ثانياً : رحلة الموسيقي : ظهرت موهبته الموسيقية في سن التاسعة أثناء  المرحلة الإبتدائية حيث كان يجيد حفظ الإيقاعات المختلفة علي آلات الإيقاع في فرقة المدرسة ثم ترك الموسيقي لفترة طويلة وعاد لها مرةًأخري بالدراسة الجادة من خلال ثلاثة معاهد موسيقية شهيرة بالإسكندرية في عام 1991 وتلك المعاهد هي :المعهد الأوروبي للموسيقي – معهد إبراهيم عبد الله- معهد الموسيقي العربية..
وقد تعلّم من خلالها مختلف فنون العزف والتلحين علي اّلتي الأورج والبيانو ثم عاد مرة أخري لمعهد الموسيقي العربية بعد ذلك و إلتحق بقسم الأصوات لتعلم الغناء ثم إلتحق بكورال فرقة سيد درويش بقصر ثقافة الحرية سابقاً (مركز الإبداع حالياً) وشارك من خلاله في العديد من الحفلات الغنائية وعلي رأسها مهرجان سكندريات العالم والعيد القومي لمدينة الإسكندرية.
ثالثاً : رحلة الفن التشكيلي :وبدأت أثناء دراسته الجامعية بالإسكندرية حيث كان يدرس مادة الرسم الهندسي فبرع فيه وكان دائماً يحصل علي أعلي الدرجات وكان دائماً يلفت نظر أساتذته - جمال لوحات الرسم الهندسي لدرجة أنهم عند التخرج قاموا بعرض جميع لوحاته في معرض خاص بالرسم الهندسي كما حصل علي تقدير جيد جداً في مشروع التخرج وأدي ذلك إلي إهتمامه بتلك الموهبة فيما بعد فالتحق بمرسم قصر ثقافة الحرية سابقاً (مركز الإبداع حالياً) لتعلم ودراسة الفن التشكيلي وتخصص بعد ذلك في فن البورتريه والتصوير الفوتوغرافي الذي مارسه وإحترفه بالفعل وقام بالعديد من رحلات السياحة بهدف التصوير وزار خلال هذه الرحلات العديد من الدول في القارة الأوروبية والأسيوية وهذه الدول هي فرنسا وموناكو وإيطاليا والفاتيكان واليونان وماليزيا وتركيا وإندونيسيا ونيبال ولبنان وسوريا وسلطنة عمان وقبرص وجزيرة كورسيكا ـ وعاد منها بمجموعة كبيرة جداً من الصور الفوتوغرافية لهذه الدول وحالياً يقوم بإعدادها لعرضها في معرض خاص للتصوير الفوتوغرافي.
E-mail:gamalelbialy@rocketmail.com
E-mail:gamalahmedelbialy@gmail.com
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
**والآن عزيزى القارئ نلتقي مع 
كتاب(عودةُ الأمس) وهو مجموعة قصصية من 
مؤلفات الأديب / جمال البيلي.
                     (1)عـودة الأمـس
لم تكد شمسُ الأصيلِ تبتسمُ في وجه السماء ابتسامة عذبةً رقيقة احتفالاً وإحتفاءاً بقدوم الربيع – حتى دخلت الطريق المؤدى إلي الفيلا – سيارةٌ صغيرة حمراءُ اللونِ وقفت عند مدخل الفيلا وهبطت منها سيدةٌ أنيقة ٌ في رداءٍ أسودِ قد تحلـّى بالحشمةِ والوقارِ .. ثم أخرجت من سيارتِها حقيبة ً كبيرة ً وسارت بها إلي بابِ الفيلا في خطاً متثاقلة وئيدة (1) حتي بلغته:
- السلام عليكم يا عم عبده .
- عليكم السلام ورحمة الله وبركاته .. أهلاً وسهلاً .. أهلاً وسهلاً .. حمد الله علي السلامة ياست هانم .. أشرقت الأنوارُ في الفيلا وفي البلد كلها ..
- كيف حالك ؟
- الحمد لله ياست هانم .. الحمد لله ..
- وكيف حالُ الفيلا؟
- كلُ شئٍ علي ما يُرام ..هاتِ عنكِ الحقيبة ..
- لا شكراً ليست ثـقيلة .
- والله زمان ياست هانم .. خمس سنوات؟!
لقد كانت الفيلا مظلمة ً من غيرِك .
- ماذا سنفعل يا عم عبده .. هذا قضاء الله .. وقد جئتُ اليومَ كى أغيّر الجو والهواء قليلاً ...
- أهلاً وسهلاً .. أهلاً وسهلاً ..
تصعدُ السيدةُ درجاتِ السُلم وتدخلُ غرفةَ النوم متجهة ً إلى (دولاب) الملابسِ لتـُفرغَ فيه حقيبة ملابسها .. تفتحُ الدولابَ وتضعُ الملابسَ في عُجالة (2) فتصدمُ يدُها بزجاجةِ عطرٍ كبيرة كانت فوقَ أحد الأرففِ .. تسقطُ علي الأرضِ وتنكسر .. يفوحُ منها العبيرُ الزكى وينتشرُ في كل مكان .. تتسمّرُ في مكانها وتنظرُ إلي أشلاءِ الزجاجةِ نظرة ً هائلة ً فاحصة ً.. تُمسكُ بغطاءِ الزجاجة ... تجلسُ ببطئ ٍ علي حافةِ الفِراش .. تغرقُ في نـَسماتِ العبيرِ الساحرة .. يتملكُها الذهول .. تحاصرُها المشاعر .. يستيقظُ الحنين .. تغوصُ ببصرِها في حُطامِ الزجاجة .. تُنصِتُ : تسمعُ في أذنيها :   (هذه هدية ٌ متواضعة ٌ جداً يا حبيبتى في عيدِ زواجـِنا العاشر .. لعلكِ تتذكريننى دائماً كلما تعطرتِ منها .. ولتعلمى أن كل نسمةِ عبيرٍ فيها سوف تهمسُ لكِ : أحبكِ ...)
تشعرُ بنشوةٍ غامرة .. تفتحُ ببطئِ أحد الأدراج .. تُخرجُ (ألبوماً) جميلاً .. تقعُ عيناها علي مظروفٍ كبيرٍ كان بجانبه .. تفتحُه .. فإذا به مجموعة كبيرة من الخطابات .. تـُمسكُ بواحدٍ منها :
(غداً يرتوى قلبانا من نبعِ الحبِ الخالد .. غداً سأحصل علي عملي الجديد ..من الغدِ سوف أبنى بكلِ قرشٍ أحصلُ عليه لَبنة ً صلبة ً في عُش غرامِنا السرمدى ..
(3) قريباً سأحضرُ إلي والديكِ ومعى المهر والخاتم...)
تسقطُ عيناها علي الصورةِ الأولي فى الألبوم:
(حفل خطبتهما) .. تبتسمُ .. تنتعشُ أوصالُها .. تحتضنُ الصورةَ بحنانٍ عميقٍ وحنينٍ أعمق ...
تـُمسكُ بخطابٍ آخر : ( أُحبكِ .. أحبكِ .. أحبكِ .. كلما استيقظتُ نظرتُ في وجهِ السماءِ فرأيتُكِ هذه الشمس الدافئة الناعمة .. كلما سهِرتُ في المساءِ رأيتُكِ هذا البدر المتألق سحراً وبهاءا .. كلما سِرتُ علي ضفةِ النهرِ لا أرى إلا حبنا وقد جرى في مجرى هذا النهر .. لا أستطيع أن أصفَ ما بداخلي لأنني لا أجدُ الكلمات ..
إن قلتُ أحبكِ .. لن تكفى .. إن قلتُ عشقتـُكِ لن تكفي .. إن قلتُ أنكِ النبضُ في فؤادى والدمُ في عروقى أيضاً لن تكفى .. هل أقولُ أنتِ الوجودُ والوجودُ أنتِ ؟ .. ماذا أقولُ ؟ .. ماذا أقولُ؟ ...)
تلتفتُ إلي صورةٍ أخرى في الألبوم : (حفلُ زفافهما) تبتهجُ .. ينتفضُ فؤادُها ..
تـُلقى نظرة ً علي صورةٍ تالية .. تهبُ واقفة ً لتفعلَ مثلما ترى في الصورة :
تُمسكُ الألبومَ بيديها .. تُراقصُ الألبومَ مترنمة ً(4) بلحنٍ شجى عذب .. تشدو بصوتٍ حالم .. تُمسكُ الخطاباتِ مع الألبوم .. تندمجُ في الرقص .. تصطدمُ بمنضدةٍ صغيرةٍ عليها كثيرٌ من عبواتِ الأدوية ..
لا تعبأ بها .. تستمرُ في الرقص .. تهبطُ درجاتِ السُلمِ راقصة ً .. تتجه إلي حديقةِ الفيلا ومعها الألبوم والخطابات .. تنظرُ إلي الخمائل ِ..(5) تبتسمُ للأزهارِ .. تُحاكي(6) تغريدَ العصافير ...
تتجهُ إلي شجرةٍ باسقةٍ (7) في إحدى أركانِ الروضة وقد اكتست بأزهارِ البنفسَج ..
تقتربُ منها .. تُنصتُ ..تسمعُ في أذنيها : (هذه هي شجرةِ الخُلدِ لحبنا الأبدى .. لو لم أجد يوماً لها الماءَ سوف أسقيها بدمِى ..).
تقتربُ منها .. تحتضنها بقوة .. تجلسُ بجانبها علي الحشائشِ الخضراء .. تُمسكُ بالخطابات .. تسقطُ من بينها (روشتة) دواء مكتوبة بالإنجليزية .. تجذبُ إنتباهها بشدة ... فتلتفتُ إلي صورتِه في الألبوم :
- ماذا بكَ ياحبيبي ؟ هل أنتَ مريض؟
- ماذا تقول؟ ..
- تسافرُ للعلاجِ؟ ..
- من أى شئ؟ ..
تهبُ واقفة ً .. تنظرُ لأزهارِ البنفسَج .. ثم تنظرُ إلي العصافيرِ :
- أيتُها العصافيرُ : ماذا به ؟ ألا تعلمينَ أينَ ذهبَ؟ لماذا لم يعد؟ لقد تأخرَ كثيراً ...
- ماذا ؟
- سوف يأتى قريباً ؟
- الحمد لله .
ثم تلتفتُ إلي الأشجارِ :
- ولكنه تأخرَ كثيراً ؟ ألا تعلمينَ متى سيأتى؟
- قريباً؟
- الحمد لله .
تتجهُ مرةً أخرى إلي شجرةِ أزهارِ البنفسَج .. تجلسُ بجانبها .. تُمسكُ الخطاباتِ والألبوم في صمتٍ .. تأخذُ الشمسُ في المغيب .. تهبطُ أستارُ(8) الليل .. تستلقى علي الحشائشِ .. يداعبُها النوم .. يُعانقُ جفنيها المتعبين .. تغوصُ في سُباتِ(9) عميق .
تمرُ الساعاتُ وتبدأُ تباشيرُ(10) الفجرِ في البزوغ ..
(11) يتلونُ الوجهُ الأبيضُ بلونِ الطيفِ الأحمر .. يُداعبُ جفنيها .. تتحركُ شفتاها : ماذا تقول؟ غداً ستأتى؟.. سأنتظرُك يا حياتي .. سأنتظرُك ..
تبدأ العصافيرُ في الصياحِ تدريجياً إبتهاجاً باليومِ الجديد ..تستيقظُ بعضُ الِغربانِ مُحدثة ً بعض الصخَب .. تتكاثرُ حولها .. تفتحُ عيناها .. تنظرُ إليها .. يتملكُها الفزعُ .. تصرخُ واضعة ً يديها علي عينيها .. تأخذُ في بكاءٍ شديدٍ .. تنهمرُ الدموعُ علي الحشائشِ ..
تُهرول(12) فتصعدُ درجاتِ السُلـَم .. تدخلُ غرفتها .. تجمعُ ملابسَها في الحقيبةِ وترحل ...
----------------------------ـــــــــــــــــــــــــ----
(1) وئيدة : بطيئة.(2) في عُجالة : أى بسرعة .
(3) السرمدى : الدائم الذي لا ينقطع .
(4) مترنمة : متغنية . (5) الخمائل : الشجر الكثيف الملتف جمع خميلة . (6) تُحاكى : تُقلد .
(7) باسقة : عالية . (8) أستار : جمع سَتـْر وهو الغطاء.(9) سُبات : نوم . (10) تباشير : أوائل .
(11) البزوغ: الشروق . (12) تُهرول : تسرع .
------------------------ـــــــــــــــــــــــــ--------
(2) رياحُ النزق *
يصعد درجات السُلَم في ساعةٍ متأخرةٍ من الليل...يُخرج مفتاح شقته...يفتح الباب..يضئ المصباحَ.. تسقط عيناه علي عُقب الباب : ماهذا؟..صورة ؟! يُمسكُ بالصورة في ذهول..تتحرك في صدره المشاعر..يخفقُ قلبه بشدة.. يقرأ علي ظهر الصورة : عندما تقع عيناكَ عليَّ أكونُ قد ألقيتُ بنفسي من فوق سطح المنزل.. يسقطُ قلبهُ تحت قدميه..يُحدجُ (1) في الصورة : مستحيل..!! مستحيل..!!.. أمل؟ لقد كنتُ أعرفُ من زمان..
يُهرولُ (2) فيصعد درجات السلم في سرعة الريح.. يصلُ إلي سطح المنزل.. يتلفتُ يميناً
ويساراَ في كل إتجاه فلا يراها.. يصرخُ : أمل .. أمل.. أمل.. يتسمّرُ في مكانه.. يهوى جالساَ علي إحدى درجات السلم.. تغوصُ عيناهُ في بحرِ من الدموع.. يتمزقُ فؤاده : لقد قتلتها .. لقد قتلتها..
تختلطُ دموعُه بأشعةِ القمرِ الساهرة .. يضاعفُ الظلامُ من كاّبته و حزنه .. ينخرطُ (3) في البكاء .. فجأة يسمعُ صوتاً لنحيبِ (4) مُتهدّجِ (5) مكتومِ بالقربِ منه .. يجّذبُ إنتباهه بشدة .. ينتفضُ واقفاً.. يُتمتمُ : (6) أمل .. أمل .. يتلفتُ فلا يراها .. يتفقدُ أركانَ سطح المنزل في إنفعالٍ محمومٍ .. ينظرُ فيجدها جالسةً علي حافةِ إفريز
(7) ركنٍ قصيٍ من السطح .. يهرولُ إليها : أمل .. أمل .. لماذا؟ .. لماذا ؟.. ألا تعلمينَ أنني أحبُك ؟..
تصيحُ في وجهه : إبتعد عني .. إبتعد عني .. إني أكرهُك .. أكرهك ..
  • ـ لماذا ؟ لماذا ؟ و أنا أحبُك ؟ أقسمُ لكِ أنني أحبُك..
  • ـ كذاب .. كذاب .. أنتَ لا تعرفُ الحب .. ولم تعرفهُ يوماَ في حياتِك .. يجب أن أموتَ و أتركَ هذه الدنيا حتي لا أراكَ مرةً أخرى .
تهبُ واقفةً علي حافةِ الإفريز .. يصرخُ : أرجوكِ..
أرجوكِ .. لا تتحركي .. يجب أن تعلمي جيداً أنني ما عشقتُ في حياتي أحداً سواكِ .
  • ـ كذاب .. كذاب .
  • ـ أقسمُ بحياتي .. أقسمُ بشرفي .. أقسمُ بالله العظيم.
تتحركُ قدماها علي حافةَ الإفريز ..
  • ـ أرجوكِ .. لقد عشتُ عمرى كله مُذ (8) كنتُ طفلاً – ألعبُ و أمرحُ معكِ في الحارة – متمنياً أن تكوني لي زوجة في يوم من الأيام .. و لكن مشكلتي أنني كنتُ دائماً أخجل .
  • ـ إذن لماذا ستتزوج ؟
  • ـ مَن قال لكِ أنني سأتزوج ؟!
  • ـ طرقت بابي اليومَ أمكَ وقالت : إبتعدى عن طريق (سعيد) فإنه سيتزوجُ قريباً من بنتِ خاله
  • و لا داعي لإثارة المشاكل فنحنُ جيران .
  • ـ هُراء .. هُراء .. (9) طالما كانت أمي ترغبُ في تلك الزيجة (10) لأنها بنت خالي ومن العائلة ولأنهم أثرياء و لكنني عشتُ طوال حياتي أحلمُ بكِ أنتِ .
  • ـ لاجدوى فلتذهب لتتزوجها .. فأنا إنسانة فقيرة وغيرُ متعلمة ولا أصلحُ أن أكونَ زوجةً لك .
  • ـ وماذا يهمُ؟ حسبي أنكِ تُحبينني ..
  • ـ وهل تحبني أنتَ ؟
  • ـ نعم .. أقسمُ لكِ .
  • ـ إذن لماذا لم تقل لي في يومٍ من الأيام ؟
  • ـ أنت تعلمينَ أنني كنتُ دائماً إنساناً خجولاً حيياً
  • (11) لا أستطيع الإفصاحَ عن مشاعرى .. حتي أنني كنتُ دائماً أضطربُ كلما التقت عيناكِ بعينيَّ فتتوردُ (12) وجنتيَّ و يخفقُ فؤادى وأخفضُ نواظرى (13) و أبادرُ بالهروب .. أليسَ كل ذلك من علامات الحب ؟
  • ـ ولكن ؟ ..
  • ـ ليس هناك ولكن .
أرجوكِ إهبطى من علي حافة الإفريز .. أرجوكِ .. أرجوكِ .. فأنا أحبُك .. أرجوكِ .
  • ـ ماذا ؟
  • ـ أحبُك .. أحبُك.. أحبُك ..
تُلقي بنفسها في أحضانِه .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
  • *النزق : الطيش .(1) يُحدجُ : يُمعنُ النظر  . (2) يُهرول : يسارع . (3) ينخرط : يندفع .
  1. (4) نحيب : بكاء . (5) مُتهدّج : متقطع .
(6) يُتمتم : يهمس . (7) الإفريز : الجزء الأفقي البارز من الجدار . (8) مُذ : منذ.(9)هُراء:كذب.
(10) الزيجة : الزواج . (11) حيياً : ذو حياء.
(12)تتورد وجنتيَّ : تكتسي خدودى بلون أحمر .
(13) نواظرى : عيوني جمع ناظر .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
                  (3) اللوحة السوداء
يستيقظُ فجأة .. يسبحُ بعينيه في بحرِ الظلامِ من حوله .. يُتمتمُ : ياخسارة .. ياخسارة .. ليته كان حقيقة ..
يضئُ المصباحَ بجواره .. يُشعلُ سيجارة .. يجولُ ببصره في أنحاء الغرفة .. تتسابقُ إليه الأفكارُ .. تتملكُه المشاعر .. تُطارده الذكريات .. تخترقُ فؤاده.. يشتعلُ الحنينُ في قلبِه .. يقضي الليلَ كله متجولاً في دروبِ الماضي .. مضت سنونَ العمرِ ولم يستطع أن ينساها ...
يفتحُ نافذةَ الغرفة .. يتأملُ في أطيافِ الفجرِ .. يستنشقُ عبيرَ الماضي .. يشعرُ بنشوةٍ غامرة .. يرتدى ثوباً أنيقاً .. يتناولُ فرشاةً و ألواناً و لوحةً ورقية .. يمضي إلي حيثُ كان يلتقي بها علي شاطئ البحر .
يجلسُ علي الرمالِ .. ينصبُ لوحتَه .. يُنسقُ ألوانَه
ثم يتناولُ فرشاته : فإذا البحر والسماء عاشقانِ في حفلِ زفافهما اليومي – الذى يستمرُ ليلاً ونهاراً ..
وإذا الغمام (1) نُضاراً و عقيقاً (2) قد تزينت بهما السماءُ ووضعت الشمسَ تاجاً فوق رأسها ثم أخذت تُراقص البحرَ رقصةً حالمةً في الماء – مع موسيقي السكون و جاءت طيورُ النَورسِ تحتفل و تحتفي بهما في شدوٍ طروبٍ لا يكلُ و لا يملُ .
وهنا تمثُل عيناها أمامه فيضعهما لؤلؤتينِ متألقتينِ في وجه السماءِ ينطقُ فيهما الحنينُ و الحنانُ .. يذكرُ أولَ لقاءٍ قد رأهما فيه و كيف كان الصمتُ حواراً طويلاً بالنظراتِ بينهما وكم كانت كلُ نظرةٍ منهما تخترقُ فؤادَه و تسرى في دماه .. لقد كانت هاتانِ العينانِ حلمه الأبدى و حبه السرمدى(3) وكم عاش فيهما أجمل أيامِ عمره .. إنهما جنة الخُلدِ التي تمناها طوال حياته .
ثم وضع أنفها و تذكّر كيف كانت الحياةُ بينهما عطراً فوّاحاً يُحدّثُ بالعشقِ و الغرامِ و كم عاش حياتهما يتنسمانه و يستنشقانه ..
ثم إنحدر إلي فمها فإذا هو زهرة حمراء تألقت سحراً و بهاءاً وتذكّر كيف كان هذا الفم يشتعلُ في كلِ لقاءٍ بنارِ القُبَل .. وكم تجاذب معه أطايبَ الأحاديثِ وهنا يتذكرُ فجأة اّخر كلماتِ هذا الفم الجميل له :
  • ـ اعتبر كل ما بيننا قد إنتهي .. لقد نسيتُ كلِ مامضي .. ونسيتُكَ إلي الأبد .. ولا أرغبُ في رؤيتكَ مرةً أخرى ..
هنا ترتجفُ (4) الفرشاةُ في يدهِ .. يشعرُ أن فؤاده يتمزقُ بين أوصالِه و تحترقُ فيه المشاعر ..يحسُ بلوعةِ الضياعِ .. بقسوة الإهانة .. بطعنةِ الخيانة.
يستمرُ في الرسم .. يتناولُ لوناً أسوداً فيضعُ الشعرَ الأسودُ الأملسُ فوق الرأسِ .. ومازالت فرشاتُه ترتجف ...
هنا تبدأ الشمسُ في الإنسحابِ تدريجياً خلف الغمامِ و بصحبتها دفؤها و سناها (5)... تتحولُ نَسمات الهواء الرقيقة إلي رياحٍ سريعة باردة .. يُزمجرُ(6)
البحر و تخفقُ أوصالهُ فتصفعُ أمواجهُ الصخورَ وتهاجمُ الرمالَ علي الشاطئِ وتُحيلها إلي طينٍ كثيفٍ.. يتحول شدو طيورِ النَورسِ العذبِ إلي نُواحٍ صاخبٍ أليم ..
يتحولُ حفل زفافِ البحرِ و السماءِ إلي مناحةٍ (7) كئيبةٍ مؤلمة و يأخذُ الغمامُ في التداني (8) رويداً رويداً ثم يتصارعُ كثيرانٍ سوداءٍ هائجةٍ و تبدأ السماءُ في البكاءِ بعَبَراتٍ(9) تتناثرُ في كل مكانٍ.. تقتربُ من اللوحةِ
و تحاولُ إقتحامَ عالمها .. تسقطُ حبةُ مطرٍ فوق الشمسِ فتُحيلها إلي دمعةٍ برتقاليةٍ تهوى في ماء البحرِ الأزرقِ .. يستمرُ في الرسمِ ..
تتوالي عَبَراتُ السماءِ .. تتجمعُ فوق الرأسِ.. تتكاثرُ فوق الشعرِ الأسود .. يسيلُ اللونُ الأسودُ فوق الوجه.. يغطيه بالسوادِ .. تتغطي السماءُ و البحرُ والطيورُ باللونِ الأسودِ .. حتي ضوء الشمسِ يصبحُ أسوداً .. لكنه يستمرُ في الرسمِ .. يُلطّخُ بفرشاته المرتجفة اللونَ الأسودَ فوق الوجهِ .. تتحولُ عَبَراتُ السماءِ إلي خناجرٍ تُمزّقُ الوجهَ و تكسوه بالسوادِ .. تصبح اللوحةُ كلها سوداء .. يُمسكُها بيديهِ .. يُمزقُها بعنفٍ .. يُلقيها في وجه الرياحِ الغاضبةِ.. تتناثرُ أشلاؤها في كلِ مكانٍ .. يزدادُ المطرُ .. يشعرُ به لأولِ مرة .. يجمعُ ألوانه وفرشاته و يرحل .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)الغمام : السحاب . (2) نُضاراً : ذهباً و العقيق حجر كريم أحمر اللون .(3) السرمدى : الدائم الذى لا ينقطع .(4) ترتجف : ترتعش .
(5) سناها : ضوئها الساطع .
(6) يُزمجرُ : يصطخبُ ويعلو صوته .
(7) المناحة : مكان النواح والبكاء .
(8) التداني : الإقتراب 
(9) عَبَرات : دموع .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
             (4) الغـــــريــب .. والكـــــلــب
لم تكن عقاربُ الساعةِ في صالةِ المطارِ قد تجاوزت السابعة مساءاً حتى هبطت في أرض المطارِ الطائرة المصرية القادمة من الكويت وقد فُتحَ بابُها واتجه إليه السُلم وهبط منها الركابُ واحداً وراء الآخر وكل منهم يحمل حقائبه وأمتعته وينزلُ مسرعاً متلهفاً كي يُصافحُ أو يُعانقُ مستقبليه ... إلا شخصاً واحداً ظل في الطائرة ولم يتعجل النزولَ حتى جاءت إليه مُضيفةُ الطائرةِ وقالت له :
- حمد الله علي السلامة .. لقد وصلنا .. ألا تَودُ النزولَ من الطائرة ؟! ..
فأجابها بنظرةٍ زائغةٍ حزينةٍ ولم ينبسُ (1) بكلمة ثم نهض من كرسيه متكاسلاً وأخذ يهبطُ درجات السلم ببطئٍ شديدٍ ولم يلفت نظرُ المضيفةِ أنه لم يكن يحملُ حقائباً أو أمتعة ...
ثم سار في بطئه هذا حتى دخل صالةَ المطارِ ولم يعجبُ من أن أحداً لم يكن في إستقباله فلقد عاهدَ الجميعَ بأنه سوف يعودُ بعد خمس سنوات علي الأقلِ وقد أتي لهم بكلِ ما يتمنونه وها هو قد عاد اليومَ بعد مرور سنتين فقط دون أن يفي بأى وعدٍ قد وعدَه فهذه شركته التي تعاقد معها ليعمل مهندساً قد أفلست بعد تدميرِ حقولِ البترولِ في حربِ الخليج الثانية وقامت بتسريح (2)كل العاملين المصريين فيها .. وها هو يعودُ وليس معه ما يسُدُ بعضاً من حاجته فكيف يُلبي حاجة مَن وعدهم!
هنا يسألُ نفسه : إلي أين يذهبُ الآن؟ ولمَن؟!
- هل يذهبُ إلي أخيه الأكبر المحامى الذي عاش معه وأنفقا معاً من خلالِ (كشكٍ) لبيع الحلوياتِ كانا قد أقاماه بعد أن خرجا معاً من جحيمِ الملجأ الذى شبا فيه ولكن ماذا سيقولُ له؟ وكيف يمكن أن يعيش معه مرة أخرى بلا عمل وخصوصاً بعد أن أزالت شرطةُ المرافقِ بالحى هذا الكشك من الطريق ..؟
- هل يذهبُ إلي صديقِ عمره الوفي الذي لازمه طوالَ حياته في السراءِ و الضراء حتى أستطاع أن يسافر إلي الخارج بمعونته وعونه... ولكن ماذا سيقول له ؟؟
- هل يذهبُ إلي حبيبته المخلصة التى قد طالَ شوقه إليها والتى طالما ظلت تبنى معه عُشَ الزواجِ في قصرٍ من الأحلامِ الوردية – ولم يفارقها إلا لكى يبني هذا القصر في أرضِ الواقعِ عندما يعودُ إليها بالمال ولكن كيف يواجهها الآن وقد عاد إليها يجرُ أذيالَ اليأسِ وخيبةِ الرجاء ...؟
- هل يذهبُ إلي الدكتورة فوزية جارته و طبيبة الامراضِ النفسية التي كانت تعرفه منذ أن كان في الملجأ مع أخيه ووقفت بجانبهما و أمدتهما ببعض العطفِ والمالِ حتى أستطاعا أن يُقيما الكشك ولكن ماذا سيقولُ لها الآن ..؟
تساؤلاتٌ كثيرة تعبثُ في خاطره بعد أن خرج من المطارِ وسار في طريقه لا يعرفُ إلي أين تأخذه قدماه في هذه الساعة ...!!
وفي هذه الأثناء يشقُ صوتُ الآذانِ أجواز(3) الفضاءِ معلناً عن موعدِ صلاةِ المغرب .
هنا يبادرُ بالذهابِ إلي المسجدِ الذى تعوّدَ أن يصلي فيه دائماً ويستمعُ إلي أحاديثِ عم طه الذى اعتادَ أن يصلي معه .. فيتوضأ ويصلي صلاةَ المغربِ .. ثم صلاة العشاء .
ويجلسُ يفكرُ إلي مَن يذهبُ الآن؟ فعاجلته أفكارُه وقال لنفسه: يجب أن أذهب إلي شقتي لأنامَ فأنا مُتعبٌ جداً الآن وغداً أفكرُ في الأمرِ كله ..
ويخرجُ من المسجدِ متجهاً إلي منزلِه حتى إذا وصل إليه لمحَ كلباً صغيراً عند بابِه كان قد عنى به في صغره فلما رآه الكلبُ اندفعَ إليه بسرعة وقفزَ عليه في نشوةٍ غامرةٍ وحبٍ بالغٍ فاحتضنه بدورِه وقبّله وسارا معاً حتى إذا بلغا بابَ المنزلِ استوقفه ذلك الصخَبُ الكبيرُ وتلك الضوضاءُ الشديدة   و الأنوار الكثيفة المتألقة في كلِ مكان وخاصةً في المنزلِ المجاورِ لمنزله ...فاقترب منه فرأى راقصةً مشهورة وحولها الناس يُصفّقونَ ويرقصونَ معها فاندفعَ إلي أحدِ المارةِ يسأله :
- لمَن هذا الحفل ؟
-- ألا تعرف؟ هذا حفل زفاف الآنسة (وفاء) والأستاذ (نبيل).
هنا تسمّرت قدماهُ وجحظت (4) عيناهُ وارتعدت أوصالهُ(5) فلم يكن الإسمانِ غريبينِ عنه ..!!
لكنه لم يصدق حدسه (6) فاندفعَ إلي داخلِ المنزلِ ورافقه كلبُه فوقعت عيناهُ عليهما فسقط مغشياً عليه في الحال ...
سارعَ إليه المارةُ وحملوهُ بسرعة إلي الشقةِ المجاورةِ واستطاعوا أن يُفيقونه من غثيانه بسرعة لكنه بعد أن أفاقَ كان قد فقد النطقَ تماماً ولم يستطع أن يتفوّه (7) بكلمةٍ واحدةٍ فهذه وفاء حبيبته وأمنية فؤاده وعشقه الأول والأخير تتزوجُ من صديقِ عمرِه الوفي نبيل ...!!!
يحاولُ أن يستجمعَ أشلائه أو يسترجع بعضاً من دماه التي فرّت من عروقِه فيقفُ علي قدميهِ ويحاولُ أن يمشي فيصطدمُ بالحوائطِ ويترنحُ كالثملِ (8) إلي أن يتمكن من الخروجِ من المنزلِ فيتجهُ إلي منزلِه ويصعدُ درجات السُلمِ ببطئٍ شديدٍ وبمجهودٍ كبيرٍ ويرافقُه كلبُه حتي يبلغَ سكنه فيُخرج مفتاحه فيأبي المفتاحُ ويتعثرُ في يده ويسمعُ أصواتاً من خلف البابِ فيطرقُ البابَ فيُفتحُ أمامه بسرعة وتخرجُ منه إمرأةٌ خليعةٌ تحملُ طفلاً رضيعاً :
- مَن حضرتك ؟
- (...........) ؟!
- ماذا تريدُ ؟
- (...........) ؟!
- إذن تُريدُ مَن ؟
- (...........) ؟!
يأتي صوتٌ من الداخلِ : مَن يا هنية ؟
- لا أعرف  إنه لا ينطق ...
يأتي صاحبُ الصوتِ :
- مَن ؟ ... صابر؟ ... غيرُ معقول ...!!
حمد الله علي السلامة ... متي جئتُ؟... لماذا لم تقل أنكَ ستعود ؟ ...أهلاً وسهلاً..
ثم يحاولُ أن يُخفي وجهَه عنه ويعودُ فيقول :
- أُعرّفُكَ بهنية زوجتى .. وهذا محمد إبني.. .
- ألم تقل لي أنك سترجعُ بعد خمس سنوات ؟
- ينظرُ إليه بعينينِ شاخصتينِ (9) يختلطُ فيهما الحزنُ والغضبُ و السخطُ ولا يستطيع ان يُحركَ شفتيهِ...
- لماذا لا تتكلم ؟ ماذا بكَ؟ أأنتَ مُتعَب؟
علي كل حالٍ إذهب أنتَ الآن إلي أى فندق مناسب لتستريحَ قليلاً وغداً تبحثُ عن شقةٍ مناسبةٍ تعيشُ فيها .. مع السلامة..
ويوصدُ البابَ في وجهه ...
تتصلّبُ أطرافهُ مثلما تصلّب لسانهُ .. يغرقُ في ذهولٍ رهيبٍ وقد ذهب عقلُه أو يكاد ...
يتجهُ نحو السُلم ببطئٍ شديدٍ وينظرُ إليه كلبُه محاولاً أن يعي شيئاً مما أصابَ صاحبه !! وصاحبه نفسه لا يفهمُ شيئاً مما أصابه .. ما الذى يحدث ؟ أحُلمٌ هذا ؟..
أكابوسٌ مروعٌ رهيب ؟؟! ...
يريدُ أن يشكو لأحدٍ فلا يستطيع أن يتكلم ...!!
يحاولُ الصراخَ ... فلا يقوى علي الصراخِ ...!! يريدُ أن يبكى فلا يقدرُ حتى علي البكاءِ ...!!
تهاوى جالساً علي إحدى درجات السُلم في الطابقِ الأرضى وقد تملكه الذهولُ ... يُحملقُ بعينينِ ذاهلتينِ لا تُحركانِ ساكناً..(10) ولا يعرفُ ماذا يفعلُ ؟
وفي المقابلِ يلمحُ أمامه لافتةً كبيرة مضيئة :
(د/ فوزية بدوى – أستاذة الأمراض النفسية و العصبية بكلية الطب – دكتوراة في الأمراضِ النفسية والعصبية ).
تمرُ بضع ساعاتٍ علي جلوسهِ علي درجةِ السُلم ... يُفتَحُ بابُ الشقةِ وتخرجُ منه الدكتورة   فتجده و تتذكره بسرعة و تُلقي نظرةً عليه في عُجالةٍ فيهبُ واقفاً محاولاً أن يتكلم فلا يصدرُ منه سوى صوتٍ ضعيفٍ مُتهدّجٍ (11) لايدلُ علي شئ ... فتعاجله بقولها : كيف حالُك يا صابر ؟ 
 - إدفع ثمنَ الكشفِ وانتظرنى بالداخل .
ثم تهبطُ السلم مسرعة .
يسألُ نفسَه  بلغةِ الصمتِ : هل هذه هي الدكتورة فوزية جارته الطبيبة الطيبة التى كان يعرفُها منذ أن كان في الملجأ والتى طالما كانت تعطفُ و تحنو عليه في الصغر؟!!
لا يجدُ الإجابة ولا يعبأ بها ويحاولُ أن يُكملَ هبوطَه علي السُلم حتى يصلُ إلي بابِ المنزلِ في بطئٍ شديدٍ و إعياءٍ مستمر ...
ويجدُ المكانَ وقد ساده الهدوءُ بعد إنتهاء حفل الزفافِ.
يبدأ في السيرِ في الطريقِ مترنحاً ومعه كلبه وينظرُ أمامه فيجدُ سيارة فارهةً وقد أقلت الراقصة المشهورة وقد جلس بجوارها عم طه الذى كان يصلي به منذ بضع ساعات !!!
لا يعبأ (12) بالأمرِ... فكل الأمورِ لديه غير طبيعية أو معقولة ويحاولُ أن يقنعَ نفسَه بذلك الكابوس المروّع فلا يستطيع .
يحملُ جسده حملاً علي قدميه المتهالكتينَ ويتجه إلي حديقةٍ صغيرةٍ تجاورُ منزلَه فيهوى بجسده فوق حشائشها محاولاً أن ينامَ فلا يستطيع ويحاولُ أن يتكلم أو يصرخُ فلا يستطيع أيضاً وهنا يطرأ ببالِه حلهُ الوحيد ليقهرَ صمته ...
يُخرجُ قلماً صغيراً كان في جيبه ومجموعة أوراقٍ باليةٍ (13) كانت معه ويجلسُ ليكتبَ قصتَه فلعله يستطيع أن يبُثُ شكواه إلي أى إنسانٍ يعاونه في كربه ويُعينُه علي مصيبتِه ويبدأ الكلبُ بجواره في البحثِ  عن شئ يأكله فلا يجد .
يُمسكُ بقلمه ويندفعُ في كتابةِ قصته من بدايتها ويخطرُ له أنه كان يعتقدُ في يومٍ من الأيامِ بأنه سوف يصبحُ أديباً مرموقاً إذا أحسنَ إستغلال موهبته في كتابة القصصِ وهي هوايته التي أحبها منذ الصغر .
يستغرقُ في كتابةِ رحلته المريرة مع الحياة منذ أن كان طفلاً في الملجأ إلي أن صار شاباً أصبح اليومَ كهلاً من هَولِ ما رأه فلم يسعه ما كان لديه من أوراقٍ فأخذ يجمعُ أكياسَ القمامةِ الورقية الملقاة في الحديقة و أخذ يستكملُ الكتابةَ عليها حتى فرغَ من قصتِه وقد بدأت تباشيرُ (14) الفجرِ في البزوغ (15) من حوله وقد أطلقَ  عنوان ( الغريب .. و الكلب ) علي ما كتبه في قصته .
وهنا يشعرُ بدبيبِ النومِ يُعانقُ جفنيه المتهالكين فيجمع كل أوراقه ويتوسدُ (16) بها ويغرقُ بسرعة في سُباتٍ (17) عميقٍ وبجانبه كلبه الذى كان قد سبقه إلي النومِ أيضاً .
تمرُ بضع ساعاتٍ و تبدأ الحديقةُ في إستقبالِ روادَها في الصباح وهنا يشعرُ الكلبُ بهم فيستيقظ وينبش صاحبَه بأطرافِه موقظاً إياهُ فنهض من نومه منزعجاً ذاهلاً حزيناً وذكر بسرعة كلَ ماألمّ به في أمسهِ القريب .
ونظر إلي أوراقهِ وقد أحس بجوعٍ شديدٍ وليس لديه ما يأكله وليس لديه شيئاً من المال .
 وفي هذه الأثناء يطوفُ بخاطرهِ بصيصٌ من الأحلامِ وطيفٌ من الأملِ في أنه سيُصبحُ يوماً أديباً يمكنه أن ينشر و يُشهر قصصه للناسِ وقد يعود عليه ذلك ببعض المال فيسُدُ بعضاً من حاجتهِ فاستغرق في حُلمهِ وقال لنفسِه : ولِمَ لا ؟
فأخذ يُلملمُ ما تبقى من فتاتِ قوته و جمع أوراقَه البالية وذهب إلي أقربِ دارٍ للنشرِ في هذا المكان .
ودخل علي صاحبِها مجهداً حزيناً يتجلّى في قسَماتِ وجهه عبثُ الأيامِ وعُبوسها (18) وقد أمسكت القاذوراتُ و الأتربةُ بملابسه وقد أمسك هو بمجموعة أوراقٍ باليةٍ ومجموعةٍ من أوراقِ القمامة ولم يستطع أن يُحركَ لسانَه أو شفتيه فهمهم بصوتٍ ضعيفٍ لا يدل علي شئ ثم ألقي بأوراقه علي مكتبِ الناشرِ مشيراً إليها بيده .
فنظر إليه الرجلُ مندهشاً ومتعجباً وقال في عُجالة :
- الله يسهل لك ياابني ... الله يسهّل لك ...
فظل واقفاً أمامه فصاح فيه : إمش يا ولد ...
فحمل ما تبقي من جسدِه وخرج حاملاً أوراقَه وسار في الطريقِ وهو يصيحُ بأصواتٍ واهنةٍ (19) كأنها لحنٌ شجيٌ أليمٌ يُعبّرُ عنه والناس من حوله ينظرون إليه في سخريةٍ وإستخفافٍ وقد تمزّقت أحشائهُ من الجوعِ وصار نحيلاً واهناً ونظر إلي الناسِ ثم أمسك بكلِ أوراقهِ وقذفها في وجه المارة فتناثرت أشلاءاً في كل مكان والناس يدوسونها بأقدامهِم ولا يُبالون بها أو به حتى سقط في عرض الطريق وأخذ يستجديهم أن يعطونه شيئاً من النقودِ أو يطعمونه شيئاً فلم يلتفتُ إليه أحدٌ ..
وهنا لمح كلبُه الجائع بعض القمامة علي الجانبِ الآخرِ من الطريقِ فأراد أن يعبُرَه بسرعة فصرعته سيارةٌ مسرعةٌ لم يلتفتُ قائدُها إلي الكلبِ الصريعِ ولم يهتمُ أحدٌ من المارةِ به .. فقط كانوا ينظرون إليه وهو يسبحُ في دمائه ويئنُ أناتهُ الأخيرة....
ونظر إليه صاحبُه ولم يعجبُ لشئٍ مما حدث ...!
وفي هذه الأثناءِ يمرُ رجلٌ يحملُ طاولةً خشبيةً وعليها بعض الخبز فهبّ واقفاً ثم اندفع إليه وخطف رغيفاً صغيراً و أخذ يعدو (20) بسرعة وهنا صرخ صاحبُ الخبزِ : حرامي .. حرامي..
فشاهده شرطيٌ كان يسيرُ في الطريقِ حينذاكَ فأمسك به واقتاده إلي قسم الشرطةِ ثم إلي ضابطٍ في القسمِ  بمجردِ أن رأهُ صفعه  بشدة وركله بقدميهِ حتى سقط علي الأرضِ ثم ألقي به في زنزانةٍ صغيرةٍ داخل القسم .
وبعد قليل أتاهُ الحارسُ قائلاً : تعالى معى .
ثم فتح له بابَ الزنزانةِ وهو يحملُ في يده بندقية آلية كبيرة فجذبت إنتباهه بشدة فغافل الحارسَ بسرعة وصدمه في بابِ الزنزانة فوقع علي الأرضِ فخطف منه بندقيته وخرج يجرى بها من قسم الشرطةِ وانطلق في الطريقِ وسط الزحامِ وأخذ يُطلقُ الرصاصَ علي الناسِ في كلِ إتجاه .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينبس : ينطق . (2) تسريح : فصل . (3) أجواز : الجَوزُ : وسط الشئ والمراد يشق صوته الفضاء. 
(4) جحظت : برزت . (5) أوصاله : جوانبه .
(6) حدسه : ظنه . (7) يتفوه : يتكلم . (8) كالثمل : كالسكير . 
(9) شاخصين : مفتوحتين بشدة من الإنزعاج .
(10) لا تحركان ساكناً : أى لا تتحرك رموشهما .
(11) متهدج : متقطع . 
(12) لا يعبأ : لا يهتم . (13) بالية : هالكة . 
(14) تباشير : أوائل . (15) البزوغ : الشروق . 
(16) يتوسد بها : يجعلها وسادة . (17) سُبات : نوم .
 (18) عبوسها : غضبها وتجهمها .(19) واهنة : ضعيفة . 
(20) يعدو : يجرى .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
                         (5) المـــــــــرآة
بسم الله ماشاء الله .. الله أكبر .. أنتِ اليومَ أجمل وأحلي بكثيرٍ من الأمس .. لا شك أنكِ أجمل و أرق عروسة في العائلةِ كلها .. شعرُكِ رائعٌ في تصفيفه .. أعتقدُ أن طوله قد زاد قليلاً .. هيئتُكِ في هذا الفستان الأزرق لا مثيل لها .. أنيقة .. رشيقة .. رقيقة .. مثل أجمل ملكة جمالٍ في العالم.. هذا العقد يناسبُ في لونهِ لون الفستان تماماً .. الأسورة تتألقُ بشدة في يديكِ لكن عيبها أنها ثقيلة  الوزن .. لون الشفاه يكادُ يجعلُها تؤكلُ أكلاً .. لون الكحلِ يسايرُ لونَ الفستان .. أيضاً لون الحذاءِ يناسبُ بشدة لونَ الحزام والحقيبة .. الخاتمُ السوليتير يكاد يخطفُ العيون ...
هكذ1 قالت المرآة للمرأةِ الرابضة (1) أمامها بعد مرور ساعة ونصف الساعة من الحوارِ الطويلِ بينهما وفي هذه الأثناء يتدخلُ صوتُ الزوجِ مقاطعاً الحوار :
- الله  .. شكلك اليومَ مذهل .. هكذا يكونُ الجمال .. أريدُ أن تُشعلي الغيرةَ في قلوبِ كل النساءِ وتجعلي الرجالَ يحسدونني عليكي ..
- أنا حلوة ؟
- أنتِ أجمل امرأة في الوجود .
- هل تحبُني ؟
- ومَن يرى كلَ هذا الجمال ولا يحبُه ؟... وإلا فلماذا تزوجتك إذن ؟
فصمتت بُرهةً وقد شعُرت ببعض الضيقِ من كلماتهِ ثم عادت فسألتهُ :
متى ستأتينى بالسيارةِ الجميلةِ التي وعدتني بها من قبل ؟
- قريباً .. يا حبيبتى .. قريباً .
- هيا يا حبيبتي لقد تأخرنا عن موعدِ الناس ..
- لا تقلق فالسيارة ستقطع المسافةَ في عشرِ دقائق علي الأكثر .
- لن نركبَ سيارتَنا اليومَ وسنركب سيارة أجرة .
- لماذا ؟
-  ليس وقته الآن  .
- لماذا ؟ .. ماذا حدث للسيارة ؟
- سأخبرُكِ فيما بعد .
- بل ستُخبرُني الآن .
- لقد قمتُ ببيعها .
- ماذا تقول ؟
- نعم لقد اضطررتُ إلي ذلك .
- كيف ؟ لماذا ؟
- بصراحة يا حبيبتي أنا في ضائقةٍ ماليةٍ حادة في هذه الأيام ..
- كيف ؟.. مؤكد أنكَ مجنون .
-  في الأسبوعِ الماضي خسرت كلَ أموالي في السوق .
- ألم أقل لكَ أنكَ مجنون .
- ليس بيدى أي شئ .
- إذن بيدِ مَن ؟ .. وماذا بعد؟ إخلق لي مالاً من تحت الأرض ..
- ربنا موجود .
- وماذا عن الطفلِ الذى سيُولدُ في القريب ؟
- ربنا سوف يرزُقنا إن شاء الله .
- كيف ؟
- لدىَّ فكرة جيدة : ما رأيكِ في العمل ؟
- أتُريدُ أن أعمل ؟!
- ولِمَ لا ؟ كلُ النساءِ يعملنَ .
- أين ؟
- تعملي بالدبلوم في أيةِ مصلحةٍ حكومية .
- لن أحصلَ علي الكثيرِ من المال .
- لا يهُم . سنضع راتبَكِ علي ماتبقي لدىَّ من المالِ وبذلك يمكنُنا تدبير الأمور .
 فوافقت علي مضضٍ (2) بعد أن أغلقَ أمامها كلَ سبلِ الحوار واتفقا علي أن ينتظرا حتى تضع مولودها بعد ثمانية أشهر  ثم يُحدّث خالَه في أن يبحثَ لها عن وظيفة إدارية في إحدى المصالحِ الحكومية وذلك من خلالِ علاقته  بمديرِ شئونِ العاملينَ فيها .
وخرجا من منزلهما وقد استغرقا في فكرٍعميقٍ وقلقٍ بالغٍ من الغد .
ومرت الأيام والشهور فوضعت الزوجةُ طفلها ثم عُيّنت  في وظيفةٍ كتابيةٍ بإحدى المصالحِ الحكومية عقب بلوغِ طفلها عامه الأول .
وعَنيت به و بالمنزلِ وكان ذلك علي حسابِ مظهرها وجمالها – فلم تعد تُبدى إهتماماً بنفسِها كما كانت تفعلُ من قبل ولم تعد تحاور (3) المرآة إلا في مراتٍ قلائل وفي حوارٍ سريعٍ وخاطفٍ – حتى أهملت مظهرهَا وجمالها و أخذ قوامُها في البدانةِ وبدأ ينحسرُ (4) عنها إهتمامُ زوجها وبدأ ينحسرُ عن زوجها إهتمامُها به أيضاً وخصوصاً بعد أن صارت تقومُ بكلِ شئٍ في المنزل  بجانب عملها وإنفاقها المستمر  .
وأخذ مؤشرُ الحبِ والغرامِ في الهبوطِ تدريجياً بينهما  وبدأت تفقدُ الكثيرَ من ثقتِها في جمالها .
وذات يومٍ وأثناء عملها أتاها رجلٌ يطلبُ أداء حاجة له  ولم تكن حاجته إلا في إطارِ عملها ووظيفتها – فقضت له حاجته  فشكر لها ممتناً ثم اتجه إليها ووضع لها بضعةَ أوراقٍ نقديةٍ في درجِ مكتبِها فارتبكت بشدة واضطربت و أعادت له النقودَ في حياءٍ تامٍ وخجلٍ شديد .
وبعد أن خرج الرجلُ تلفتت إليها كلُ زميلاتِها في العملِ في دهشةٍ شديدةٍ وقالت لها إحداهن :
- ماهذا؟ أأنتِ مجنونة؟ .. كيف ترفضينَ المالَ بهذا الشكل ؟
وقالت أخرى :
- مَن يرفض النعمةَ بهذا الشكلِ لن يراها أبداً طوال حياته .
وقالت ثالثة وهي تمسكُ بمصحفٍ كانت تقرأ فيه :
- حصولَكِ علي هذا المال ليس عيباً أو حراماً وكلنا نفعل ذلك .
وقالت رابعة : لماذا هذا التكبر ؟
غداً سوف يكبرُ إبنكِ ولن تجدى له ثمنَ الرغيف .
فقالت خامسة :
- هل يكفيكِ راتبُكِ ؟
وغادرت عملها في ذلك اليومَ وقد عبثت بخيالها الأفكارُ والهواجسُ و امتلأ فؤادُها بالمشاعرِ المبهمةِ(5) واستبد (6) بها القلقُ والخوفُ من الغد علي إبنها خاصة وأن زوجها التاجر قد أفلس وتتكفلُ هى بالمنزلِ وحدها ..
وأثناء سيرها في الطريقِ لاحظت أن كثير من زملائها الرجال و النساء قد استقلوا سياراتٍ خاصة بهم وأن رئيس المصلحة قد عبرَ الطريقَ بالسيارةِ الفاخرةِ التي كانت تحلمُ بها وعجز زوجها أن يبتاعها لها (7) .
وفي اليوم التالي ذهبت إلي عملِها وهى عازمةَ علي أن تحذوحذو زملائها فأخذت تقضي لكلِ ذى حاجةٍ حاجتَه نظيرَ أن يهبَ لها شيئاً من المالِ واشترطت ذلك من البداية .
وفي ذات يومٍ لاحظت أن زملائها الرجال يمازحون زميلاتهم من النساءِ بكلماتٍ مبتذلةٍ قد خرجت علي الأدبِ والوقارِ فعجبت لهم فقال لها أحدهم :
- ماذا بكِ؟ نحنُ لابدَ أن نمزحَ ونضحكَ حتى يمر الوقت ..ألا ترينَ أننا لانجدُ شيئاً نفعله ؟
وكانت قبل ذلك قد لاحظت مزاحَ زميلتها المتدينة معهم وقد عزفت (8) عن إرتداءِ ملابسِ الحجابِ و أبدت كلَ زينتها ولم تعد تقرأ في المصحف .
وشيئاً فـشيئاً أخذت تشاركهم مزاحهم في كلِ موضوعٍ مهما كانت مقاصده ومعانيه وخاصة أنها لم تعد ترى مثل هذا المزاح في منزلِها بعد أن غاب عنها إهتمامُ زوجهِا في الوقتِ الذى زاد فيه إهتمامُ زملائها الرجال بها فعادت إلي مرآتها من جديد ووقفت أمامها ثم سألتها :
- ما رأيُكِ ؟
- مازلتِ جميلة ولم تتغيرى .. لكن ينقصكِ بعضَ  (المكياج) وبعض الملابس الجديدة ومع ذلك فمازلتِ ملكة الجمال المتألقة سحراً وبهاءاً ومهما أهملتِ في مظهركِ فسوف يظل هذا الجمال الفتان وسيبقي سحرُكِ الفتّاكِ إلي الأبد ...
أليس يقولُ المثلُ : الوردُ مهما ذَبُلَ يظلُ عبيره فيه ؟.. فأنتِ زهرةٌ لن تذبُلَ أبداً وكل مَن يراكِ يقولُ أن عمرُكِ لا يزيد عن عشرينَ سنة ..
فلاحت منها نظرةُ رضا وسرور إلي نفسِها ومضت ثم عادت إلي المرآةِ مرةً أخرى في الصباحِ فأكدت لها نفسَ الكلام .
وذهبت إلي عملِها ولفت نظرها ترددُ  شابٍ وسيمٍ عليها باستمرار طالباً قضاء بعض الحاجاتِ لبعضِ معارفه ولاحظت أنه أكثر الناس إكراماً لها عندما تطلب المالَ واكتشفت بعد ذلك أنه زميل جديد في العملِ فتعرفت به ونمت العلاقةُ بينهما حتى جاء يومٌ سألته :
- هل أنتَ متزوج ؟
- نعم .
- عِندَكَ أولاد ؟
- إثنان .
- وأنتِ ؟
- متزوجة وها هو محمد إبنى الذى يلعبُ في السجلاتِ وهو يبلغُ من العمرِ ثلاث سنوات الآن .
- هل يحبُكِ زوجكِ ؟
- لا أظن .
- ماهو عمله ؟
- لقد كان تاجراً و أفلس .
- وماذا عنكَ ؟ هل تحبُكَ زوجتُكَ ؟
- لا أعتقد .. فمنذ أن تزوجنا وهى لا تفكرُ إلا في العملِ والمنزل والأولادِ فقط أما أن تفكرُ في زوجها أو حتى في نفسها فلا ...
- هل تعمل ؟
- نعم .
- لماذا ؟
- لأن راتبي لا يكفي .
- ألا تلاحظُ أننا نفتقدُ في حياتنا لشئ هام جداً وهو الحب ؟
- فعلاً .
وصمتا قليلاً ولاحت في أعينِ كل منهما نظرةُ إعجابٍ وودٍ للآخر – ويوماً بعد يوم تحوّل هذا الإعجابُ إلي حبٍ جارفٍ كبير .
وعادت إلي مرآتها فحادثتها أحاديثاً مسهباتٍ (9) وفي كل مرة كانت المرآة تثنى عليها(10) جميلَ الثناء وتزرعُ في قلبِها الثقةَ التى افتقدتها في جمالِها من قبل  وكانت تقولُ لها :
- بسم الله ما شاء الله .. كلُ الرجالِ في العملِ وفي الشارعِ وفي كل مكانٍ يريدونَ أن يأكلونَكِ أكلاً... كلُ يومٍ يجئُ يزدادُ جمالُكِ فيه ..
ويكفي إعجابُ وهَوسِ حبيبكِ الجديد و إعجاب المدير ورئيس المصلحة .. كلُ الرجالِ الذينَ يرونَكِ يعجبونَ بكِ بشدة .. بصراحة لقد كنتِ تقتلينَ هذا الجمال في بيتك مع رجل لايعرفُ معني الجمال .. غداً سيندم .
- فعلاً .. معكِ حق .
وفي إحدى المراتِ أتاها طفلُها وسألها :
- لماذا أراكِ دائماً يا أمي بجوارِ المرآة و نادراً ما تلعبينَ معي ؟
فقالت له في عُجالة :
- إلعب مع أبيك .
وفي اليوم التالي اصطحبته معها إلي العملِ كعادتها ولاحظت في ذلك اليوم أن زملائها يرمقونها بنظراتٍ غريبة ويتحدثونَ عنها بشكلٍ مريبٍ فذهبت إلي زميلها العاشق و أخبرته فقال :
- ولا يهمكِ شيئاً . فلنتقابلُ في مكانٍ آخر غير هُنا .
- واتفقا علي اللقاءِ في الغدِ داخلَ (كافيتريا) النادى المجاور لمكانِ عملهما علي أن تصطحبَ الطفلَ معها أيضاً .
وجاء موعدُ اللقاء فدعت طفلَها ليلعبَ مع أقرانه (11) في ملعبِ النادى علي أن تنتظره هي في ( الكافيتريا ) وتم لها ماأرادت .
وجلست تنتظرُ حبيبها في الكافيتريا ومرت الساعاتُ ولم يأتِ إليها حتي يئست من قدومه فذهبت إلي ملعب النادى لتصحب الطفل وترحل .
وبحثت عنه فلم تجده في الملعبِ فسألت أحدَ العاملين هناك :
- ألم تر إبنى ؟
- إبنكِ مَن ؟ .. ماشكله ؟
فأدلت بأوصافه كاملة فبهُت (12) الرجلُ وقال لها وقد تلعثمَ لسانهُ بشدة :
- لقد حملته سيارةُ الإسعافِ منذ قليل ..
فصُعقت المرأة وقالت له وهى تمسكُ بملابسِه حتى كاد أن يسقط علي الأرضِ :
- إسعاف ؟ لماذا؟ ماذا حدث له ؟
فقال الرجلُ مرتعداً :
- لا أعرف لقد سمعتُ الناسَ يقولونَ أنه كان يلهو في الشارعِ ثم لَعِب في أسلاكِ عمودِ الإنارةِ فصُعق و ....
فصرخت المرأة صرخةً هيستيرية مُدوّية وسقطت علي الأرضِ مغشياً عليها .
فهرولَ (13) الناسُ إليها من كلِ صوبٍ (14) وحملوها إلي غرفةٍ في النادى وحاولوا إفاقتَها بلا جدوى ثم اقتادوها إلي منزلها في إنهيارٍ تامٍ وفي غيابٍ طويلٍ عن الوعي – وكان الزوجُ هنالك قد علمَ بأمرِ الطفلِ من أحد أصدقائِه في النادى فأصيبَ بشللٍ نصفي وفقدَ القدرة علي الكلام .
ومرت الأيامُ تلو الأيام وبدأ دبيبُ الحياةِ يدبُ من جديدٍ وفي بطئ شديدٍ – في أوصالِ المنزلِ المنكوبِ (15) ..
وفي ذات يومٍ استيقظت الزوجةُ وقامت من فراشها ولاحت منها إلتفاتة إلي المرآة أمامها .. فتسمّرت في مكانِها ونظرت إليها نظرةً فاحصةً غريبة و كأنها تراها لأولِ مرة ثم سارعت فأمسكت بكرسيٍ معدنيٍ كان بجوارِها وأخذت تحطمُ المرآة في حركةٍ هيستيرية بكلِ قواها .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)الرابضة : المراد الواقفة أمامها منذ فترة طويلة . 
(2) علي مضض : أى بصعوبة . (3) تحاور المرآة : تتكلم معها . (4) ينحسر : يقل . (5) المبهمة : الغامضة . 
(6) إستبد بها : سيطر عليها . (7) يبتاعها : يشتريها . 
(8)عزفت : إمتنعت وكفت . (9) مُسهبات : طويلات . 
(10) تـُثنى عليها : تمدحها . (11) أقرانه : أصحابه : جمع قرين . (12) بهت : تغير لونه . (13) هرول : أسرع . 
(14) من كل صوب : من كل إتجاه . 
(15) المنكوب : الذى أصيب بنكبة أو مصيبة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
                     (6) أزهــــــــارُ الضـــــياع
- لا حول ولا قوةَ إلا بالله .. ماذا نفعلُ الآن يا صابر بعد وفاةِ عمِك ؟
- لا أعرفُ يا نعيمة . لا أعرف .. لقد كان رحمه الله يحملُنا فوق رأسه فلم نكن نشعرُ بالفقرِ يوماً واحداً .. لعن الله الحربَ التي حطمتني و أقعدتني علي كرسيٍ متحركٍ فأعجزتني عن العملِ ولم يمد لي أحدٌ يدَ العونِ أو المساعدة رغم أنني حاربت من أجل الوطن ومن أجل كل الناس .
-  لو كنا نعرف ما كنا أنجبنا هؤلاء الأطفال الأربعة .
- ماذا نفعل يا نعيمة .. هذا قضاء الله و قدرهم .
- لدىّ فكرة يا صابر .
- ما هى ؟
- يمكنني أن أعمل .
- تعمَلي ؟! .. ماذا تعملي و أنتِ حتى لا تعرفينَ القراءةَ أو الكتابة ولم يسبق لكِ العملُ في أى شئ ؟
- أى عمل يا صابر ..(مشيرة) بنت خالتي تعملُ مربيةَ أطفالٍ عند أحدِ الأثرياء واستطاعت أن تنفقَ علي أولادَها بعد وفاةِ زوجِها ..
- ما رأيكَ في أن أحدثها فقد تجدُ لي عملاً ؟
- أتعملي خادمةً يا نعيمة ؟
- لا ياصابر إسمها مربية أطفال .
- لا يا نعيمة لا .. أنا لا أقبلُ ذلك .
- إذن ماذا نفعل يا صابر خبّرني ؟ ماذا نفعل ؟
- لو كنت أعرف الحياكة (1) لعملت خياطة .. وحتى لو كنت أعرف فمن أين لي بماكينةِ الخياطة .. نحنُ لا نملكُ شيئاً يا صابر ..
- لا داعي يا نعيمة . لا داعي .
- لا داعي كيف؟ هل نسيت هؤلاء الأفواه (2) الأربعة ؟ من أين لنا بمأكلِهم أو كسوتهم أو تعليمهم وقد قاربَ أكبرهم علي سن المدرسة ؟ .. بل مَن سينفقُ علينا أنا و أنتَ ؟ ..
- ماذا في عملِ مربية الأطفالِ ؟ هل تعلمُ أن الكثير من المتعلماتِ قد صِرنَ يعملنَ الآنَ مربياتٌ للأطفالِ لعدمِ عثورهنَ علي عمل ؟... خبّرني ماذا نفعل؟ هل لديكَ عملاً بديلاً ؟
- عند مَن تعملُ بنت خالتكِ ؟
- عند أناسٍ أثرياءٍ و محترمين و سأشترطُ عليها من البدايةِ أن أعملَ عند أمثالهم.
- الأمر لله يا نعيمة . الأمر لله ..
وتذهبُ إلي بنتِ خالتِها فترحبُ بها وتحزنُ كثيراً من أجلِها وتعِدُها بالمساعدة .
بعد أسبوع تقضي لها الأمرَ فتذهب نعيمة وتعملُ في منزلِ أحد الأثرياء خادمة لطفلين ووالدهما وزوجته .
يمرُ يومانِ والثالثُ فأسبوع وتلاحظُ نعيمة توددَ الرجل لها وتلحظُ في عينيه نظراتٍ زائغة و شيئاً فشيئاً يبدأ في غَزلها بكلماتٍ مبتذلة (3) ..
وكانت نعيمة تصبرُ وتتحملُ من أجلِ زوجهِا وأطفالها الأربعة .
وفي ذاتِ يومٍ سمعت زوجةُ الرجلِ – زوجَها وهو يُغازلُ نعيمة فدخلت عليهما :
- أنتِ يا بنت .. إجمعي ملابسكِ وارحلي فوراً .
- لماذا يا ست هانم ؟ لماذا ؟ أنا لم أفعل شيئاً .
- لقد قلتُ كلمةً واحدة .
تخرجُ نعيمة من المنزلِ محطمة قانطة (4) تتمزقُ في عينيها الدموعُ ويحترقُ في فؤادِها الأمل ..
تتجه بسرعة إلي بنت ِ خالتِها .. تقصُ عليها ماحدث .
تربتُ علي كتفها وتقول :
- ولا يهمُكِ شيئاً .. لدىّ فكرة .
- ماهى ؟
- هل مارستِ الرقصَ من قبل ؟
- ماذا تقولين ؟!
- فقط خبّريني ؟
- نعم . عندما كنتُ صغيرة علمتني أمي وكنت أحياناً أرقصُ في المولد.                                                                                          
- إذن فالمشكلة إنتهت .
- كيف ؟
- هل تعلمينَ أن الرجلُ الذى أعمل لديه – متعهد أفراح وحفلات ؟
- وماذا في ذلك ؟
- ألا تريدينَ أن يجرى المالُ تحت قدميكِ مثل الماء وأن تنتهي كلُ مشكلاتِ أسرتك ؟
- هل أعمل راقصة ؟
- إسمها فنانة ؟
- كيف ؟
- لا تكوني متخلفةًغبية ..
- وصابر ؟
- لن يعرفَ شيئاً . لقد كنتِ تعودينَ من منزلِ الرجل الثرى كل يومٍ في وقتٍ متأخرٍ من الليل ..عليكِ فقط ألا تخبرينهُ بأنكِ قد تركتِ العملَ عند ذلك الرجل .
- ولكن .
- ولكن ماذا ؟ هل تعلمينَ أنكِ سوف تعيشينَ في نعيمٍ كبيرٍ وثراءٍ وفيرٍ في أيامٍ قلائلِ من بدء العملِ وعلاوة علي ذلك سوف تصبحينَ نجمة مشهورة في البلد كلها؟ ..أى سيكونُ لديكِ المال والشهرة .. لو كنتُ أستطيع أن أفعل ذلك أنا لفعلت من زمان .
- وماذا يمنعُكِ ؟
- ألا ترينَ ؟ هل هذا الجسم البدين يصلحُ للرقص ؟
- مستحيل بصراحة .
- أما أنتِ فانظرى إلي جسمكِ و جمالكِ رغم الأطفال الأربعة .
- أهو رأيُكِ ؟
- توكلي علي الله .
تعرضُ (مشيرة) – (نعيمة) علي الرجلِ فيُلقي عليها نظرة فاحصة و يختبرُها ثم يوافقُ علي الفور
وتذهبُ نعيمة لأحد الملاهي الليلية المجهولة لتؤدى فيه أولي حفلاتها .
تصعدُ علي المسرح .. تندمجُ  بسرعة مع الموسيقي .. ترقصُ بمهارةٍ.. تنال إعجابَ الجميع .. يتصادفُ وجودُ أحد جيرانها في الحفلِ .. لا تراه .
في اليوم التالي يشعرُ صابر بالضعفِ و الخزى وبعجزه أن يفعلَ شيئاً إزاء ماتفعله نعيمة  و ما تنفقهُ في المنزلِ – ومازال يعتقدُ أنها تعملُ مربيةَ أطفالٍ -  فيُرسل إبنه الأكبر ليشترى بعضَ عبوات الكبريتِ و الحلوى و المناديل الورقية ويعودُ إليه بها ثم يدفعُ له كرسيه المتحرك و يسيرا معاً في الشوارعِ والأزقة ثم يطوفا علي المقاهي للتسول .
يحصلُ الرجلُ علي الكثيرِ من المالِ .. يمرُ علي أحد المقاهي  المجاورة  لمنزله .. يلمحُ جاره الذى كان في حفلةِ الأمس .. يسارع فيدفع الكرسي حتي لا يراه الرجلَ وهو يتسوّل ..
لكنه يراهُ ثم يتجهُ إليه ويقولُ له في سخريةٍ واستهزاء :
- لماذا تتسوّلُ مادامت زوجتُكَ تعملُ راقصة ؟ ..
تهبطُ كلماتُ الرجلِ عليه مثل الصاعقة .. تلمعُ عيناهُ من الذهول .. يندفعُ الدمُ في شرايينِ رأسه .. يلتفتُ إليه .. يصرخُ فيه : ماذا تقولُ يا سافل ؟ .. يقهقه الرجلُ بشدة .. ينتفضُ من علي الكرسي .. يهُب ليصفعه ... يميدُ (5) به الكرسي .. يتدخلُ روادُ (6) المقهي ويباعدونَ بينهما .. يأمرُ إبنهُ بالرجوعِ إلي المنزل .. يدخلُ البيت .. يفتشُ في كلِ متعلقاتِ زوجتهِ .. يتجه إلي (دولاب) ملابسِها .. يُخرجُها كلها .. يعثرُ علي بذلةِ (7) رقصٍ خليعة .. تدخلُ زوجتُه عليه .. يهُب ليصفعُها .. يسقطُ من علي الكرسي .. ينظرُ إليها : لماذا؟ لماذا ؟ .. لستُ عاجزاً .. لستُ عاجزاً .. لقد أحضرتُ لكِ المالَ .. ها هو .. يُخرجُ ما جمعه من أوراقٍ نقدية .. ينظرُ إليها .. ثم ينظرُ إلي مالهِ في حسرةٍ بالغة .. يمسكُ بالأوراقِ المالية... يمزقُها بعنفٍ .. يُلقيها في وجهِ الزوجةِ صارخاً : أنتِ طالق .. أنتِ طالق .. أنتِ طالق .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)الحياكة : الخياطة . (2) الأفواه : جمع فوه وهو الفم . 
(3) مبتذلة : دنيئة . (4) قانطة : يائسة . (5) يميد : يختل ويتمايل . (6) روادالمقهى : الموجودين فيه . 
(7) بذلة : بدلة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
                    (7) قــــــلــــبٌ .. ضـــــريـــــر
محكمة . حكمت المحكمة حضورياً علي المتهم منصور عبد المغيث صادق بالإعدام شنقاً .
يصرخُ صرخة مدوّية : يارب . يارب . ياناس .أنا برئ . أنا مظلوم . ربنا ينتقم منكم . ربنا ينتقم منكم . حسبي اللهُ ونعمَ الوكيل . حسبيَ اللهُ ونعم الوكيل ..
ينظرُ إليه (ناصر) محاميه وصديق عمره نظرة يتمزقُ فيها الألمُ والتحسّرُ .. يجهشُ بالبكاءِ .. يرفعُ كفيه إلي السماء : يارب . يارب .. لقد فعلتُ كلُ ما في وسعي لإنقاذه بيدَ أن(1) قدرك كان أقوى من كلِ شئ . فلتتغمدُه (2) ياإلهى برحمتِك و لتسكنه فسيحَ جناتِك . لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله  . لا حول ولا قوة إلا بالله .
يتركُ ناصر قاعةَ المحكمةِ قانطاً (3) محطماً .. يسارعُ أشقاءُ المتهمِ بالخروجِ منها .. تغادرُ والدةُ المتهمِ العجوز المحكمةَ فاقدة للوعى والنطق .
بعد أسبوع كان ناصر يسيرُ في طريقهِ و الحزنُ مازال  يعتصرُ فؤادَه ومرّ بصالونٍ للحلاقةِ فخطر له أن يحلق ذقنه المستطيلة و شعره الكثيف .
دخل علي الحلاقِ وكانت  المرةُ الأولى التى يقصدُ فيها ذلك الحانوت (4) :
- السلامُ عليكم .
عليكم السلام ورحمةُ الله وبركاته  - شعر أم ذقن ؟
- الإثنان .
يجلسُ علي مِقعدِ الحلاقةِ .. يتناولُ جريدة يومية تحملُ تاريخاً حديثاً .. يتفقدُها .. تسقطُ عيناهُ أسفل الصفحة الأولي علي صورةِ صديقهِ : الحكمُ بإعدامِ قاتل الطفلة ياسمين .. يستغرقُ في قراءةِ الخبر .. يلاحظُ الحلاقُ إهتمامه الشديد بقراءةِ الخبر :
- هذا السفاح يستحقُ أكثرُ من ذلك . أيقتل طفلة عمرها تسع سنوات ؟
- اللهُ أعلمُ به . فما أكثر المظلومين في السجونِ .
- تتحدثُ عنه وكأنه برئ ؟
- لقد كنتُ محاميه .
- محاميه ؟ أنت ؟
- نعم . أنا .
- ولكنكَ لم تستطع إنقاذه ؟
- هذا قضاء الله وقدره .
- هل أخبرُك بشئ ؟
- ماهو ؟
- هل تعلم أن أشقاء هذا المتهم من الزبائن الدائمين  لدىّ ؟
ـ صحيح ؟
- نعم إنهما يأتيانِ إليّ دائماً في ظهيرةِ  الأحدِ الأخير من كل شهر .
يجذبُ كلام الحلاق – المحامى فيلتفتُ إليه بسرعة مصوباً له نظرة فاحصة :
- قلتُ متى ؟
- في ظهيرةِ الأحد الأخير من كلِ شهر .
- إذن فقد حضرا إليكَ في ظهيرةِ يوم التاسع و العشرون من مايو الماضى .
- نعم أثناء مباراة الأهلي والزمالك الشهيرة .
ينتفضُ المحامى من علي الكرسى مُحدجاً (5) فيه :
- هل أنتَ متأكدٌ مما تقولُ ؟
- نعم فهذا اليوم لا يُنسى .
- هل لديكَ إستعداد أن تأتي معي وتقولُ هذا الكلامُ في قسمِ الشرطة ؟
- لماذا ؟
- إننى أسأ لكَ سؤالاً محدداً .
- نعم . ومما أخاف ؟
يقفزُ المحامى من علي الكرسي  و صابون الحلاقةِ لا يزالُ في وجههِ ويمسكُ بيدِ الحلاقِ :
- أترك المحلَ خمس دقائق وتعالى  معى .
- إلي أين ؟
- سأخبرك في حينهِ .
- والمحل ؟
- دعهُ لمساعدك الآن .
- و ماذا عن أجرى ؟
- سأعطيكَ كلَ ماتريد .
يصطحبُ المحامي الحلاق إلي قسمِ الشرطةِ الذى بدأت فيه تحقيقاتُ القضية .
يدخلُ علي المحققِ في عُجالة .. يسلمُ عليه .. ثم ينظرُ إليه :
- مارأيُكَ في الحكمِ بإعدامِ إنسان برئ ؟
- منتهى الظلم طبعاً .
- هذا الرجل هو حلاق جاء إليه أشقاءُ المتهم منصور عبد المغيث في نفس يوم وفي نفس ساعة وقوع الجريمة وحلقا لديه في المحل . ولقد كانا الشاهدينِ الوحيدينِ في القضية . إذن فهما كاذبانِ ..
ينظرُ المحققُ إلي الحلاقِ الذى أصبح يعي كلَ شئ :
- أتشهدُ بذلك ؟
- أشهد .
ينظرُ المحققُ إلي المحامي : أطلب الإستئناف  ووقف تنفيذ الحكم .
في صباح اليوم التالي يجلسُ (ناصر) أمام مكتبهِ ويتفقدُ جميعَ أوراقِ القضيةِ من جديد .. ينظرُ في التحقيقاتِ .. يتساءلُ :  لقد صدر الحطمُ علي منصور لأن بصماته كانت فوق باب الشقةِ وفوق بعض الكراسي
وفوق زجاجةِ مياه كانت فوق منضدةٍ ولكن كل ذلك يعدُ شيئاً طبيعياً فهو قد دخل شقةَ والدته المقابلة لشقتِه في نفس الطابق الأرضى – في صباحِ ذلك اليوم وجلس معها وأعطاها دوائها وكانت بمفردها قبل أن تتوجهُ مع أختها التي جاءتها بعد ذلك – إلي المستشفي وهو وقت وقوع الجريمة حيثُ كان  منصور في شقتهِ مستغرقاً في مشاهدةِ مباراة الأهلي والزمالك . وأيضاً طبيعي أن تدخلَ ياسمين شقة والدتهِ فقد كانت إبنة يتيمة لأحدِ الجيرانِ في المنزلِ المجاور وكانت تترددُ دائماً علي والدتهِ فتحنو وتعطفُ عليها وتهبُها بعضَ المالِ وأحياناً كانت تترك لها بابَ الشقةِ مفتوحاً .
ولكن منصور قد عجز أن يثبت أنه كان في شقتهِ عندما دخلت ياسمين شقة والدته وجاءت شهادةُ أخويه الكاذبينِ لتقضى عليه .. ولكن لماذا فعلا ذلك ؟
نعم . نعم . أذكرُ أن منصور قد ذكر لى مؤخراً بأنه قريباً سوف يرثُ ميراثاً كبيراً يعادلُ نصف ميراث والده الذى أوصى به له قبل أن يموت. إذن كان عليهما أن يتخلصا من منصور حتى يرثُ كلٌ منهما النصفَ بدلاً من أن يرثُ الواحدُ منهما الربع لذلك شهدا ضده وقالا أنهما قد رأوه خارجاً من شقةِ والدتهِ في نفس وقت إذاعة مباراة الأهلي و الزمالك برغم أنهما يقطنان (6) الطابقَ الأعلي من عمارة والدهما  المكونة من طابقين .
ولكن أليس هناك أي دليلٍ علي متابعةِ منصور للمباراة ؟
ينتفضُ ناصر من مجلسهِ .. يفتحُ (دولاباً) بجواره كان منصور قد أوصاه بوضعِ كل متعلقاته فيه إذا صدر الحكمُ بإعدامه .. يتفقدُ ناصر كل أشيائهِ .. يستخرجُ شريطاً للفيديو مختبئاً بينهم .. يُحدقُ فيه .. يتساءلُ : هل يمكن ؟
يحضرُ جهازاً للفيديو لديهِ ويضعُ الشريطَ فيه ..
فيشاهدُ جزءاً من فيلم عربي يتبعهُ بعضُ الأغنيات و أخيراً يشاهدُ أهدافَ مباراة الأهلي و الزمالك  الشهيرة .. يقفزُ ناصر من الفرحةِ  : وجدتُها .. وجدتها .. هذا دليلُ براءةِ منصور . بقي أن نعرفَ القاتل .
يخرجُ ناصر بسرعة متوجهاً إلي مسرحِ الجريمة ... يتفقدُ هناك كلَ شئ في سريةٍ تامة .. يتفحصُ كلَ الوجوهِ العابرةِ .. يلمحُ في الطريقِ بالقربِ من منزلِ منصور مقلباً للقمامةِ .. يُلقي نظرة عليه .. يعثرُ علي يدٍ لنظارةٍ سوداء ..تجذبُ إنتباهه بشدة .. يمسكها بمنديلهِ ثم يضعُها في جيبهِ .. يعودُ إلي مكتبهِ مستغرقاً في الفكر .
في صباحِ اليومِ التالي يتوجهُ مرة أخرى إلي مسرحِ الجريمةِ... يلقي نظرة علي الأشخاصِ في هدوء ..
في تلك اللحظة يمرُ عليه متسولاً ضريراً يطلبُ إحسانه .. يُلفتُ إنتباهه بشدة .. يُلقي نظرة فاحصة عليه دون أن يشعرَ به .. يلمحُ في يدهِ اليمني آثاراً لجُرحٍ قديم .. يعطى الرجلَ الضريرَ عملة نقدية فيدعو له الله و يرحل .. يتتبعهُ .. يرقبُ تحركاتَه .. يسألُ عنه روادَ المكانِ .. يتمتمُ : مستحيل .. مستحيل .. ولكن لماذا يسيرُ هذا الرجلُ  الكفيفُ بعينينِ قبيحتينِ  ولا يغطى قبحهما بنظارةٍ سوداء ؟ ثم ماذا عن ذلك الجُرح في يدهِ ؟
لدىّ إحساسٌ غريبٌ بأنه هو ..
في نفس الوقت من اليوم التالي يقصدُ ناصر المكان ومعه جهاز تسجيل صغير .. يبحثُ عن الرجلِ في كلِ   مكان ٍ .. لا يجده .. بعد قليل يلمحُ الرجلَ متسللاً في خطواتٍ وئيدةٍ (7) بجوار منزلِ منصور ..يقتربُ منه في تأنٍ (8) .. يمسكُ بيدهِ الجريحةِ بعنفٍ .. يفزعُ الرجلُ .. يضغطُ ناصر علي زر التسجيلِ .. ويقول :
- إسمع أيها الرجل .. لقد رأيت كلَ شئ ورأيتُ ما فعلته في الطفلةِ ( ياسمين ) من أولهِ إلي آخرهِ بدون أن تشعرَ بي .. لن أخبرَ أحداً عنكَ .. فقط عليكَ أن تعطينى نصفَ حصيلةِ تسولِكَ كل يوم و سأظلُ أخفي سرك ..
يرتعدُ الرجلُ رعباً .. يضطربُ لسانهُ في فمهِ  : أنا لم أفعلُ شيئاً . أنا برئ . ما هذا الذى تقولُه ؟
- لا داعي للإنكارِ فقد رأيت كلَ شئ ومع ذلك لن أخبر أحداً عنكَ إذا أعطيتني نصفَ حصيلةِ    تسولكَ ..
يزدادُ إرتعاشُ الرجلِ .. يضع يدهُ في جيب جلبابهِ ويُخرجَ كلَ ما معه من مال : خذ . خذ . خذ كلَ ما أملكُ ودعني أعش .. أريدُ أن أعيش .. أريدُ أن أعيش ..
- لماذا قتلتها ؟
- عندما كنتُ سائراً في الطريقِ .. أردتُ أن أدعو أحداً كي يقودَني في السيرِ .. جاءت إليّ .. سمعتُ صوتَها .. إنجذبتُ إليها بشدة .. أيقظت فيّ بواعثَ الشهوةِ بسرعة .. طلبتُ منها مواصلة السيرِ معي .. أمسكت بيدى .. أشعلت فيها نيرانَ الغريزة .. طلبتُ منها كوباً من الماء .. صعدت إلي شقةٍ في الطابقِ الأرضى من هذا المنزل و أحضرته علي الفورِ .. طلبتُ منها أن أدخلَ الحمّام فأمسكت بيدى وقادتني إلي داخلِ الشقةِ .. لم أشعرَ بوجودِ أحدٍ في المنزلِ ..تملكني الشيطانُ .. أصختُ له (9) .. أمسكتُ بها في عنف ٍ .. صرخت ..وضعتُ بسرعة يدي علي فمها .. قاومت ..مزقت يدى بأظافرِها ..حطمت نظارتي ..إندفعتُ لأمزقَ ثيابَها ... صرخت .. أسرعتُ فأطبقتُ علي رقبتِها .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بيد أن : غير أن . (2) فلتتغمده : فلتغمره . 
(3) قانطاً : يائساً . (4) الحانوت : المحل . 
(5) مُحدجاً فيه : أى ناظراً إليه بإمعان . 
(6) يقطنان : يسكنان . 
(7) وئيدة : بطيئة . (8) تأنٍ : هدوء . 
(9) أصخت له : أطعته .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
                     (8) بســــــتانُ اليــــــأس
- صباح الخير يا أمي .
- صباح الخير يا محمد .
- كيف حالُكِ اليوم ؟ هل تناولتِ دوائكِ ؟
- نعم يا ابني . والحمد لله علي كل حال .
لقد أعدت لكَ أختكَ طعامَ الإفطار فلتسرع حتى لا تتأخر عن ميعادِ عملِك .
- كيف حالُكِ يا أختى العزيزة ؟
- الحمد لله .
- مَن يصدقُ أنكِ قد تخرجتِ في كليةِ الهندسةِ منذ عشرِ سنواتٍ ولم تعملي حتى الآن ؟!
- ومَن يُصدقُ أنكَ  قد تخرجت في كليةِ التجارةِ وتعملُ موظفاً بسيطاً في مصلحةٍ حكومية وقاربت الأربعينَ عاماً و لم تستطع أن تتزوجَ من حبيبتكَ وبنت  خالتكَ حتى الآن ؟!
- رحم اللهُ والدنا .. كان يحملُ الكثيرَ علي عاتقهِ ولم يكن يشعرُنا بأى ضيقٍ أو ضائقة ..
مَن يُصدقُ أننا لم نستطع أن نشترى التلفازَ (1) إلا بعد إنتهاء (جمعية) إستمرت عاماً ؟!!
- أشرفت الساعةُ علي الثامنةِ فلتسرع . لقد تأخرت .
يتركُ طعامَه ويُهرولُ (2) مرتدياً ملابسَه ثم يخرجُ من منزلهِ متعجلاً ركوبِ وسيلة للمواصلاتِ ..
وتمرُ نصفُ الساعةِ في وقوفهِ بالموقَف ولا يجدُ إلا الزحام و العَطلة .. يُضطرُ أن يقطعَ المسافةَ كلها سيراً علي الأقدامِ .
ويصلُ إلي مكانِ عملهِ فيُوقعُ في سجلِ التأخيرِ ثم يدخلُ غرفة  مديره المباشر :
- أسعد اللهُ صباحك سيدى المدير .
- صباح الخير يا محمد .
يذهبُ إلي غرفةِ مكتبهِ وقد أثقله الإجهادُ ويُلقي نظرة سريعة علي زملائه :
- السلامُ عليكم .
- عليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
- كيف حالك ياعزيزي محسن ؟
- الحمد لله . معي اليوم (جاكت) فاخر من الجلدِ الطبيعي ألا تشتريهِ ؟
- شكراً سيدي الفاضل لن أستطيع .
- لقد اشترى مني كثيرٌ من الزملاء الكثيرَ من الملابسِ إلا أنتَ .
- لقد إتفقتُ مع مدام عواطف علي أن تشغلَ لي (بلوفر) من الصوفِ ( بالتريكو) – علي أن تحصلَ علي الثمنِ بالتقسيطِ علي ثلاثةِ أشهر .
- وكيف حالك يا سعيد ؟
- كيف حالك أنتَ ؟ هل تعلمُ أين رأيت مديرنا المبجل (3) بالأمس ؟
- لا . أين رأيته ؟
- رأيته في ملهى (الأحلام) بصحبة الراقصة المعروفة (عزيزة أستك) ...
- لا أمل في إصلاحِ هذا الرجل أبداً ..
وكيف حالُ الأستاذ عادل ؟
- أفرجوا عنه بعد نصف المدة .. مجرد قضية رشوة بسيطة ..
- وماذا فعلوا مع (الأستاذ) أحمد بعدما سرقَ سجلات حسن و أخفاها ؟
- رتبوا المسائل وانتهي الموضوع علي خير وتم حفظ التحقيق .
- وما هذه البذلة الأنيقة التي أنتَ فيها ؟
- هدية .
- هدية ؟!
- نعم .
- كيف ؟
- أبداً . جاء إليّ تاجرٌ ثرىٌ فقضيتُ له حاجته فأعطاها لي علي سبيل (الإكرامية).
- إكرامية؟!
- نعم . أنا أعلمُ تماماً أنكَ ستظلُ طوال حياتِكَ إنساناً رجعياً متخلفاً . ألا تعلمُ أن الدنيا مصالح ؟
- مصالح ؟!
- طبعاً وكل أفكارك و مبادئك أصبحت اليوم موضة قديمة لم يعُد لها أى قيمة ولن تستطيعَ أبداً أن تحصلَ علي أى شئٍ تريدُه بهذه الأفكار البالية ...
- حسبي أن أكونَ إنساناً محترماً .
- فلتجعل الإحترامَ ينفعُكَ ؟
ألا تعلمُ أن أحد الزملاء في إدارةِ المخازنِ قد صار يأخذ الملفاتِ والسجلاتِ الجديدة ومصابيح الإنارةِ ليتاجرَ فيها لأنه لم يستطع أن يفعلَ مثلما أفعل أنا و غيرى ؟؟
- ماشاء الله ..!!
- يكفي أنكَ لا تستطيع شراءَ الجريدةَ اليومية وتقرأها في اليومِ التالي بعد أن تأخذها من المدير .
- إفتح لنا المذياعَ (4) بالله عليكَ عسي أن يمرَ هذا اليوم .
يفتحُ زميلهُ المذياعَ فيسمعا نشرةَ الأخبار :
- مباحثاتٌ هامة لتحقيق السلامِ العادل و الشامل في الشرقِ الأوسط  و حل مشكة القدس – الدعوةُ إلي المصالحةِ العربيةِ ووحدة الصف العربي – إجتماعاتٌ مكثفةٌ لحلِ مشكلاتِ المصريينِ العاملينَ في الخارج – خروج المنتخبُ القومي من تصفياتِ كأسِ العالم – خطة لرفعِ المعاناةِ عن محدودى الدخل ...
- فلتُغيرَ هذه الإذاعةَ يرحمكَ الله علّنا نستمعُ إلي أغنية حلوة ..
يحركُ زميلهُ المؤشرَ فيستمعا إلي أغنيةٍ شبابية :
(هواك يا حياتي نسّاني إسمي .. وفارقت أمي وخالتى وعمي)
- مارأيُكَ في هذه الأغنية ؟
- فلتغلقهُ أفضل ..
يقومُ محمد فيفتحُ (دولابَه) ليُخرجَ بعض الملفاتِ و الأوراقِ فتسقطُ من بينها ورقةُ من جريدةٍ بالية (5) مصفرّة اللونِ تجذبُ إنتباهه فيقرأ فيها :
      السلامُ الشاملُ و العادلُ في الشرقِ الأوسطِ هدفٌ لجميعِ الأطراف – إستراتيجيةٌ جديدة لإصلاحِ التعليمِ – التنسيقُ بين وزارتي القوى العاملة و الهجرة لمواجهة مشكلاتِ المصريين في الخارج – إرتفاعُ أسعار الكتبِ و الأدوية – تاجر مخدرات يسدد مليون جنيه للضرائب – 500ألف جنيه دخل ممثل مصرى في الفيلم الواحد – القبضُ علي مواطنٍ في أمريكا بتهمةِ تعذيبِ كلب – ربعُ مليون جنيه إيراد حفل راقصة مغمورة – تعيينُ دفعة جديدة من حَملة المؤهلاتِ العليا و المتوسطة ممن مر علي تخرجهِم 10 سنوات للعملِ في المصالحِ الحكومية – لاعبُ كرة ناشئ يحصلُ علي سيارةٍ فاخرة بعد إحرازه هدفاً لفريقهِ في الدورى العام – متسول يمتلكُ 3 عمارات في جاردن سيتي و يديرُ ملهي ليلي شهير – تشريع جديد يقضي بمعاقبةِ الموظفِ و حرمانه من كل الحوافزِ و البدلات إذا تغيبَ أو تأخرَ عن عمله – خطةٌ جديدة لرفع المعاناة عن محدودى الدخل ...
يُلقي محمد بالورقةِ وقد أغرقَ في نوبةٍ من الضحك المتواصل – وكان موعدُ إنتهاء العملِ قد أزف (6) فلم يكن هنالك أحدٌ من زملائهِ في الغرفةِ – فذهب ليُوقع في سجلِ الإنصرافِ وخرج من مكانِ عملهِ وقد عزمَ علي أن يعودَ إلي منزلهِ سائراً علي قدميهِ مثلما فعلَ في الصباح .
وفي الطريقِ يجذبُ إنتباهه وجودَ العديدِ من أكشاكِ بيع الحلوى و الخردواتِ وغيرهما في كلِ مكانٍ فتطرأ في بالهِ فكرةُ إقامةَ كشكٍ صغيرٍ لبيعِ البسكويتَ و الحلوى – ليعملَ به عقبَ إنتهائه من عملهِ فيقولُ لنفسهِ :
ولمَ لا ؟ فقد تذهبُ كلُ مشاكلي فأحسن رعايةِ أمي و أزوّجُ أختي وقد أستطيع الزواج في المستقبلِ القريب ..
يعودُ إلي منزلهِ يحدوهُ (7) الأملُ وقد ألحّت علي عقلهِ الفكرةُ فيُحدثُ والدته فتؤيده ثم يُحدّث أخته فتوافقه لكنها تسأله :
- ومن أين لكَ بثمنِ الكشك وما به من بضاعة ؟
فتقولُ أمهُ : سوف أتصرّف .
فقال لها : كيف ؟
قالت : والدُك رحمه الله كان قد أهداني بعضَ الحُلي الذهبيةِ .. خذها وأنفق ثمنها علي الكشك .
يطيرُ محمد من الفرَح ويتمُ له ما أراد فأقامَ الكشكَ في ناصيةٍ بأحدِ الشوارعِ المزدحمةِ وبدأ في إحضارِ عبواتِ الحلوى والبسكويت .
وكانت بنتُ خالتهِ قد علمت بأمرِ الكشكِ فسعدت لذلك سعادة بالغة و أعجبت بما صنع ثم التقت به وعاشا سوياً في عالمٍ من الأحلامِ و الأمنياتِ السعيدةِ التي قاربت أرضَ الواقعِ بعد إنشاء الكشك .
ولم يمض أسبوعٌ علي إقامةِ الكشك حتى جاءت شرطةُ المرافقِ بالحي فأزالته ..
حزن محمد لذلك حزناً شديداً واندفعت بنتُ خالتهِ في بكاءٍ شديدٍ حتى جاء يومٌ قالت له في أسفٍ يغمرُه اليأس :
ليس هناك أمل في الغدِ – لقد ضاعت كلُ أحلامِنا ..
فقال : سوف آخذُ معى في العملِ عبوات الحلوى والبسكويت وأضعها علي مكتبي طوال اليوم فقد يشترى منّي زملائى في الإدارة .
وفعل ما قال ولكن لم يشتر منه زملاؤه إلا القليل .
وذات يومٍ عاد إلي منزلهِ سعيداً محبوراً (8) بعد أن ربح بعضَ المالِ ودخل علي والدتهِ فوجدها واجمة (9) حزينة فقال لها :
- ماذا بكِ ياأمي ؟ هل أنتِ بخير ؟
فقالت أخته : ألم تعلم ؟
قال : ألم أعلمُ بماذا ؟
قالت : خِطبةُ بنت خالتك يوم الخميس القادم .
هبط الخبرُ عليه مثل الصاعقة ولم يستطع تصديقَه بسهولة فصاح :
- كيف ؟ هل تقّدمَ أحدٌ للزواجِ منها ؟؟
- طلب يدها (سباكٌ) كان يترددُ عليها في المنزلِ فوافقت أمُها ووافقت هي أيضاً ..
فهوى جالساً علي كرسي كان بجوارهِ وقد حطمَه الإحباطُ وغمره اليأسُ ونالت منه خيبةُ الرجاء .
وكان التلفازُ آنذاكَ مفتوحاً فسمع صوتَ المذيعِ يقولُ في نشرةِ الأخبارِ :(رفعُ المعاناةِ عن محدودى الدخل)
فأمسكَ بكوبٍ زجاجيٍ فارغٍ كان بجوارهِ وقذفه بكلِ قوتهِ في وجهِ المذيعِ مُحطمَاً شاشةَ التلفاز .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)التلفاز : التلفزيون . (2) يهرول : يسارع . 
(3) المبجل :المحترم . (4) المذياع : الراديو . 
(5) بالية : هالكة . (6) أزف : حان . 
(7) يحدوه الأمل : يغمره . 
(8) محبوراً : مسروراً . (9) واجمة : حزينة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  
                     (9) تــذكـــــرة تــــــرام
ك    كانت عقاربُ الساعةِ في ميدانِ المحطةِ تقتربُ من السابعةِ والنصف وقد استيقظت نَسَماتُ الصباحِ وكان الطوارُ (1) مفعماً (2) بطلبةِ الجامعاتِ في أولِ أيامِ إمتحانِ آخر العام  وقد التحم الجميعُ في مناقشاتِ ساخنةٍ حوله وكلٌ منهمكٌ في كتبهِ و أوراقِه وجاءت الترامُ .. يصعدُ البنينُ في عربةِ الرجالِ بينما تصعدُ البناتُ في عربة النساء إلا واحدة لم تبال وتصعدُ في عربةِ الرجال .
تج  تجلسُ في مِقعدٍ بجوارِ النافذة .. تتفقدُ أوراقَها ممسكة بقلمٍ .. وفي المقابلِ يجلسُ أمامها شابٌ وسيمٌ أنيقٌ  يستغرقُ في مطالعةِ كتابٍ .. تنطلقُ الترامُ .. تسقطُ عيناها عليه .. يتنبه لها .. تلتقي الأعينُ .. تتوالي النظراتُ .. تزدحمُ الترامُ .. يتنبه لهما الركابُ .. يشعرا بهم .. يكتسي وجهاهما بحمرةِ الخجلِ .. يكفا عن التلاقي بالعيونِ .. يستغرقا في المطالعةِ .. تمرُ المحطاتُ .. تزدحمُ العربةُ .. تأتي محطةُ الفتاةِ .. تهبطُ من الترامِ .. يبادرُ الشابُ فيجلسُ في مكانِها ..يضعُ يده علي يدِ المِقعدِ .. يتحسسُه .. يجدُ تذكرة مطوية كُتب علي ظهرِها (0123456789 – الليلةُ في السابعة)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 (1) الطوار  :  الرصيف .                             
(2) مفعماً  :  ممتلئ  .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
               (10) الخــــيانــة في قـــلـــب
- صباح الخير يا حبيبي .
- صباح الخير يا حياتي .
- كل سنة و أنت طيب ... اليومَ هو الرابع من نوفمبر .. عيد الحب ..
- فقط ؟
- وعيد زواجنا السادس يا روحى .
- كل سنة وكل ساعة وكل ثانية و أنتِ طيبة يا نور عيني .
- هل أعدُ لكَ طعامَ الإفطار ؟
- لاداعي فإننى علي موعدٍ  في المقهى وقد اقترب الميعادُ الآن .
يرتدى ملابسَه بسرعة ثم يُقبلها مودعاً .
يذهبُ إلي المقهي ويجلسُ منتظراً صديقه .. ويمرُ الوقتُ و الموعدُ ولا يأتي وقد بدأ المللُ يسيطرُ عليه .    تصطدمُ قدمُه وهو جالس علي الكرسى بشئٍ معدنى يسمعُ له صوتاً .. يلتفتُ إليه ... يلتقطهُ  : مفاتيح؟ .. يمسكُ بها .. يفحصها :
مجموعة من المفاتيحِ متصلة بميداليةٍ معدنية علي شكلِ قلبٍ صغيرٍ يعلوه الصدأ .. يتفحصهُ .. يُفتحُ في يديه مثل الكتاب في دفتين (1) كل منهما به صورة .. يتملكه الذهولُ : مستحيل .. مستحيل  : إنها صورة زوجتى .. ولمَن هذه الصورة ؟؟ .. مَن هذا الرجل ؟؟ .. مستحيل .. مستحيل ..
ينتزعُ صورةَ زوجته .. ينظرُ خلفها : (أحبُكَ – 4/11/80). ينطقُ في عينيه الذهول .. ويعجزُ لسانه عن الكلام .. يتصاعدُ الدمُ في شرايينِ رأسه .. يضعُ سلسلة المفاتيحِ في جيبِ سروالهِ  ويُهرولُ – دون أن يدفعَ حسابَ المقهى – متجهاً إلي منزله .. يصلُ إليه .. لا يجدُها هناك .. يسارعُ فيفتشُ في كل متعلقاتِها .. يفتحُ (دولاب)  ملابسها .. يستمرُ في البحثِ .. يعثرُ علي عُلبةٍ  معدنيةٍ في قاعِ الدولاب .. يفتحُها : يا إلهى .. إنه نفس القلب المعدني  الذى وجدته منذ قليل .. لكنه في هذه المرةِ متصلٌ  بسلسلةٍ ذهبية .. يمسك به .. يفتحه : صورة زوجته.. وصورة الرجلِ مرة أخرى .. ينتزعُ صورة الرجل .. ينظرُ خلفها : (أحبُكِ – 4/11/80) ..
يصرخُ : خمسُ سنواتٍ خيانة ؟!
يحتفظُ بالسلسلةِ الذهبيةِ و القلب المعدنى مع سلسلة المفاتيحِ الأخرى .
في صباحِ اليومِ التالي يذهبُ إلي المقهى ويجلسُ في نفس المكان .. يأتيه النادلُ(2) فيحاسبهُ .. يتفقدُ روادَ المقهي ..بعد قليل تصلُ جماعةٌ من الأصدقاء .. يتفقدُ الوجوهَ بشغفٍ و إمعانٍ... فجأة يهمسُ في سره : ها هو الحيوان ..
يجلسُ الجميعُ و يطلبون الشطرنج .. يراقبُ الرجلَ .. يتفرسُ(3) في وجههِ .. تمرُ الساعاتُ .. ينتهي الأصدقاءُ من اللعب .. ينصرفُ الرجلُ .. يتتبعه حتى يصل إلي بيته .. يصعدُ وراءه درجاتُ السُلم .. يدقُ الرجلُ علي البابِ .. يفتح الباب صبىٌ صغيرٌ : بابا .. بابا ..
ينظرُ إليه : أين أمُكَ ؟
تأتى إليه زوجته ثم تغلقُ بابَ الشقةِ بعد أن يدخل .
في صباحِ اليومِ التالي يتوجه إلي منزلِ الرجلِ .. ينتظرُ حتى يخرجُ .. يصعدُ علي السُلمِ .. يدقُ البابَ : تفتحُ له الزوجة :
- صباح الخير .
- صباح النور .
- لقد نَسي زوجُكِ سلسلةَ مفاتيحه بالأمسِ في المقهى وقد جئتُ لأعطيكِ إياها .
- شكراً جزيلاً . ألف شكر .
- أرجو أن تفتحى القلبَ المعدنى فيها حتى تتأكدى من أن المفاتيح تخصهُ .
ثم يبادرُ بالنزولِ علي السُلم  دون أن ينتظرَ الرد أو يشهدُ نتيجةَ ما فعل – ثم يتوجهُ مباشرة إلي قسم الشرطة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)    دفتين  :  جانبين .
(2) النادل  : عامل المقهي.
(3) يتفرس: ينظر بعمق وتمعن. 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
            (11) أنـــــــيـــاب الغــــــــــد 
     عاد الصرافُ إلي بيتهِ في عصرِ ذاكَ اليوم وقد أثقله الإجهادُ بعد عمل يومٍ شاقٍ في الشركة .
      يدخلُ علي زوجتهِ ومعه حقيبة يدٍ صغيرة تحوى أوراقَ العمل .. يتجهُ إلي غرفةِ النوم ..يضعُ الحقيبةَ علي نضدٍ (1) صغيرٍ بجوارِ النافذة .. يشعرُ بحرارةِ الجو .. يفتحُ النافذة ..يندفعُ تيارٌ من الهواء اللطيفِ إلي داخلِ الحجرة .. يخلعُ ثيابَه ..يدخلُ الحمّام .. تذهبُ زوجتُه لتعُد طعام الغداء .
     في هذه الأثناء تحبو طفلته الصغيرة علي الأرضِ متجهة إلي النضد .. تلمعُ في عينيها ألوانَ المِفرَش الزاهية .. تجذبُ المِفرَش بيدها .. تقعُ الحقيبة علي الأرض .. تلتفتُ إليها .. تمسكها بيديها الصغيرتينِ .. تفتحها .. تُخرجُ منها الأوراقِ ...
     تعبثُ بها .. تمزقُ بعضها .. تتطايرُ الأوراقُ.. يسقطُ من بينها شَيكٌ بنصفِ مليون جنيه .. يجذبُ لونُه إنتباهها .. تمسكه .. تعبثُ به في مرح .. تمزقه إلي نصفينِ .. يخطفهما تيارُ الهواء من بين أصابعها الصغيرة .. يدخلُ الرجلُ عليها في فزعٍ .. يصرخُ فيها : يا بنت الكلب .. الله يخرب   بيتك .. يسارعُ فيلتقطُ الأوراقَ المتطايرة...يثِبُ في بالهِ الشيك .. يبحثُ عنه .. يصرخُ فيها : أين الشيك ؟ ... أين الشيك ؟ ... 
      تلمعُ عيناها من الرعبِ .. تمتلئُ إرتياعاً (2) ولا تنطق .. يتحركُ في الغرفةِ كالمجنونِ .. يمسحُها ببصرهِ .. يقلبُ كلَ الأشياء في إنفعالٍ شديدٍ و عصبية أشد .. يتجهُ إلي الردهة .. يدخلُ حجرة الطعامِ .. يُهرولُ (3) إلي الصالة .. يتفقدُ الحمّام .. يلقي نظرة علي المِطبخ .. تقفُ زوجتهُ أمامه في ذهولٍ تام .. يضربُ كفاً بكف .. يصيحُ : يا خراب بيتك يا ناجي .. ياخراب بيتك يا ناجي .. ينظرُ إلي زوجتهِ في حسرةٍ وامتعاضٍ (4) : سأدخلُ السجنَ يا صابرة .. سأدخلُ السجن .. 
     ـ ما الذى ضاع مِنكَ ؟
     ـ نصفُ مليون جنيه .. نصفُ مليون جنيه .
     ـ كيف ؟ 
     ـ البنت فتحت الحقيبة وأضاعت شَيك بمرتباتِ العاملينَ في الشركة ويجب علىّ أن أصرفه غداً من البنك ثم أذهبُ إلي الشركةِ فأصرف للموظفين رواتبَهم في الغدِ أيضاً .
     ـ لا حول ولا قوة إلا بالله .
      تبدأُ في البحثِ معه .. تدخلُ غرفةَ النومِ .. تفتشُ في تأنٍ وهدوء .. تجدُ نصف الشيك تحت باب الحجرة .. تصيحُ : ناجي أهوَ نصف الشيك ؟ .. يتهللُ : نعم . ولكن أين النصف الآخر والذى يختصُ بالتوقيع ؟.. 
     يستمرا في البحثِ في كلِ مكان .. والطفلةُ تنظرُ إليهما في ذهولٍ غريب و صمتٍ أغرب .. ينسدلُ الليل (5) .. مازالا يبحثانِ و ينقبانِ (6) في كل شئ ..
     يتمتمُ (7): لا حول ولا قوة إلا بالله . لا جدوى . لا جدوى . لابد أن النصف الثاني  قد طار من النافذة ... يجلسُ متهاوياً (8) علي كرسي .. تجلسُ زوجته بجانبه : والعمل يا ناجي ؟
     العوض علي الله .. سأدخل السجن .. أوصيكِ بهذه الطفلة الحمقاء .
     يشتدُ ظلامُ الليل .. تنبثقُ (9) أطيافُ الفجر .. مازالا ساهرينِ .. يؤذنُ المؤذنُ .. يذهبُ فيتوضأ و يؤدى صلاة الفجر .. يتضرعُ إلي الله في خشوعٍ ... يشعرُ ببعض الراحةِ .. يطرأ بباله خاطر :
     ـ صابرة : أنا عندى فكرة .
     ـ ماهي ؟
-    سأذهبُ إلي الشركةِ ومعي هذا النصف و أشرحُ لهم ما حدث فذاكَ النصف هو دليل برائتي من إختلاسِ المبلغ .. صحيح سأحالُ إلي التحقيقِ لكنهم في النهايةِ سوف يتهمونني بالإهمالِ أو التسيبِ  فأنالُ عقاباً مخففاً .. تشعرُ زوجته ببعض الرضا ..
     يمرُ الوقتُ و يحينُ ميعادُ عملهِ .. يذهبُ إلي غرفةِ النومِ فيرتدى قميصَه ثم سرواله .. ثم يُحضرُ حذائه .. يفكُ الرِباط لأحدِ زوجي الحذاء .. يلمحُ ورقة صغيرة بداخله .. يُخرجُها .. يصرخُ : النصفُ الثاني .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) نضد  :  منضدة .
(2) إرتياعاً : فزعاً . (3) يهرول : يسرع . 
(4) في امتعاض : في غضبٍ و ألم .
(5) ينسدلُ الليل : المراد يغطي الكون .              
(6) يُنقبان : يبحثان و يفتشان .
(7) يتمتم :  يهمس .  
(8) متهاوياً : متهالكاً .  
(9) تنبثق : تبدأ في الشروق .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

                 ـ (12) ـ كــــــــأس العـــــالـــــم  
سيداتى. آنساتى . سادتى..أحمد سقراط يحييكم من ستاد ( العالم اليوم) ويسعد بصحبتكم للتعليق علي أحداث مباراة كرة القدم الهامة والمرتقبة بين الفريق الأخضر والفريق الأسود في نهائى كأس العالم ...
ينزلُ الفريقان إلي أرض الملعب يتقدمهم طاقم دولى من الأمم المتحدة في زى أبيض جميل ومعهم كرة كبيرة منقوش عليها قارات العالم الست وسيلعب بها الفريقان...
يلعب الفريق الأخضر بالزى الأخضر ويلعب الفريق الأسود بالزى الأسود ...
يمثل الفريقان نخبة كبيرة من ألمع النجوم من الجنسين ...
يمثل الفريق الأخضر : في حراسة المرمى : سيف الدين.
خط الدفاع : عثمان ـ هيثم ـ إيمان ـ محفوظ
خط الوسط : عمر ـ مى ـ عمرو ـ رابعة.
خط الهجوم : سيف الله ـ صلاح الدين.
يمثل الفريق الأسود : في حراسة المرمى : جونسون.
خط الدفاع : مناحم ـ فيفي ـ حجاج ـ هينغ (1
خط الوسط : مرجريت ـ إليزابيث ـ جولدا ـ صوفيا.
خط الهجوم : إسحق ـ مارلين.
مائة وخمسون ألفاً في مدرجات الإستاد أرى منهم حوالى عشرين ألفا يؤازرون الفريق الأخضر بالأعلام والملابس الخضراء أو البيضاء ومعظمهم من الرجال الملتحين
 والنساء المحجبات بينما أرى حوالى مائة وثلاثين ألفا يؤازرون الفريق الأسود 
بالأعلام والملابس السوداء ومعظمهم من النساء العرايا أو شبه العرايا والرجال الذين 
يرتدون علي وجوههم الأقنعة السوداء أو يضعون فوق رؤوسهم قرونا مدببة تشبه قرون الثيران كرمز للقوة ...
وبدأت المباراة .. الكرة الآن حائرة بين أقدام الفريقين .. تنتقل إلي الفريق الأسود .. خمس دقائق على بدء المباراة ..الكرة مع إسحق .. يدفع إيمان بيديه .. يحتسب له الحكم ضربة جزاء غير صحيحة .. الهدف الأول للفريق الأسود يحرزه إسحق بعد عشر دقائق .. المدرجات السوداء تشتعل .. ترقص النساء العرايا .. يهتف الرجال المقنعون .. يسيطر الفريق الأسود ...
ثلاثون دقيقة علي بدء المباراة وأصبحت النتيجة الآن هدفين للاشئ لصالح الفريق الأسود أحرزت جولدا الهدف الثانى بيدها . الكرة الآن مع الفريق الأخضر .. من 
رابعة إلي إيمان إلى عمر .. يسدد .. برافو .. هدفا جميلا للفريق الأخضر يلغيه الحكم 
بلا مبرر ...
سيداتى . آنساتى . سادتى .. ينتهى الآن الشوط الأول. إستراحة قصيرة الآن .
مشاهدينا الكرام .. نلتقي الآن مع أحداث الشوط الثانى ..
الكرة في وسط الملعب .. هيثم .. اللاعب هيثم يسقط مصابا بعد أن تلقي لكمة من إسحق في وجهه .. يخرج من  الميدان .. الحكم لا يفعل شيئا لإسحق .. الفريق الأخضر سيلعب الآن بعشرة لاعبين بعد نفاد التغييرات .. تلتهب المدرجات الخضراء غضبا وغيظا .. يتدخل رجال الأمن بالهروات (2) يحصل اللاعب عثمان علي البطاقة الحمراء بدون مبرر .. سيلعب الفريق الآن بتسعة لاعبين .. أرى أمامى بعض الغيوم .. السماء تمطر .. المطر يشتد .. الملعب يغرق في الوحل .. مازال اللعب مستمراً ... 
مارلين .. مارلين .. الهدف الثالث للفريق الأسود تحرزه مارلين بعد عشر دقائق من تسلل واضح .. الحكم إنزلق علي الأرض .. صارت ملابسه البيضاء في نفس لون زى 
الفريق الأسود ..أرى اللاعب الملتحى صلاح الدين يحصل علي بطاقة صفراء .. الفريق 
الأخضر ينشط الآن .. يسيطر .. سيف الله يراوغ جولدا وحجاج .. يراوغ صوفيا .. برافو .. الهدف الأول للفريق الأخضر يحرزه سيف الله بعد مضى عشرين دقيقة ...
الفريق الأسود يهاجم الآن .. إليزابيث تقع علي الأرض وتجلس في منطقة الجزاء .. تحصل علي ضربة جزاء مذهلة .. تسجل منها هينغ الهدف الرابع بعد سبعة وعشرين دقيقة ..الفريق الأخضر يقاوم .. يكافح .. يتحد .. الله .. الله .. هدف جميل لعمرو بتمريرة رائعة من مى بعد مضي أربعة وثلاثين دقيقة .. المباراة الآن مثيرة ورائعة ولايزال الفريق الأخضر مهاجما .. الدفاع الأسود مضطرب .. الكرة مع صلاح الدين .. يراوغ .. يسدد .. الله .. الهدف الثالث للفريق الأخضر يحرزه صلاح الدين بقذيفة صاروخية في الدقيقة الأربعين ...
المدرجات الخضراء مشتعلة .. رجال الأمن ينقضون مرة أخرى بالهراوات عليها .. 
هل سينجح الفريق الأخضر في التعادل أو يفوز الفريق الأسود بالكأس؟  
سنرى .. الكرة مع الفريق الأخضر .. يتحمس .. يهاجم بضراوة (3) أرى عزيمة الفريق الأسود قد وهنت (4) .. الكرة مع سيف الله .. سيف الله يراوغ فيفي ومناحم .. يمر من 
مرجريت .. ينفرد بجونسون ... الله .. هدف التعادل للفريق الأخضر في آخر دقيقة ... 
سيلعب الآن الفريقان وقتا إضافيا علي شوطين .. أرى أمامى اللاعبين يتناقلون الكرة في بطئ وهدوء .. يبدو أن الإجهاد قد نال من الجميع ...
ينتهى الآن مشاهدينا الكرام الوقت الإضافي للمباراة ولايزال التعادل قائماً ...
ستلعب الآن ضربات الترجيح .. وسيبدأ بها الفريق الأخضر:ـ
هدف لصلاح الدين ـ يمسك سيف الدين بتسديدة إسحق والحكم يحتسب هدفا رغم 
عدم تجاوز الكرة لخط المرمى ..
هدف لمحفوظ ـ تسدد مارلين خارج المرمى
هدف لعمرو ـ تزل قدم جولدا وتسدد في القائم
الضربة الأخيرة : يدخل الآن سيف الله .. يتصدى للكرة .. يضعها بمهارة 
فائقة علي يسار جونسون الذى سقط علي الأرض .. يقفز سيف الله فرحا .. يحتضنه زملاؤه .. 
تهلل (5) الجماهير الخضراء .. تتعانق .. تتغنى بإنشودة النصر ..
سيداتى .. آنساتى .. سادتى .. مبروك للفريق الأخضر الفوز بكأس العالم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ                                              
(1) الهــــــينًغ : المرأة الفاجـــــــرة                                                                           
(2) جمع هـراوة   الهِراوات : العصي
                                                  
 (3) بضــــــــراوة : بشـــــراســـــــة
                                                  
 (4) وهـــنـــــــــت : ضعــــــــــفــــت
                                                  
 (5) تهـــلـل : تصـيـح : لا إله إلا الله. 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
                    تم الكتاب بحمد الله.
***حقوق الطبع والنشر والملكية الفكرية محفوظة للمؤلف بدار الكتب والوثائق القومية المصرية كما تم توثيق الكتاب بمكتب الشهر العقارى بالإسكندرية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 قصص الكتاب
(1)    عــودة الأمــس
(2)    الغريب .. والكلـب
(3)    رياح النَــــزق
(4)    المـــــــرآة
(5)    اللوحة الســـوداء
(6)    أزهار الضـــياع
(7)    أنياب الغـــــد
(8)    الخيانة .. في قلـب
(9)    تذكرة تـــــرام
(10)    قلب ضـــرير
(11)    بستان اليــأس
(12) كأس العــالـم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
***مؤلفات الأديب / جمال البيلي المنشورة حالياً في
مدونات (آداب خالدة):
 (1) جـــــنة الزيــــــف  (  ديــوان شــــــــعر ).
 (2)عــــــودة الأمــــس (مجموعة قصـــصـية).
 (3) أغنــــية حـــــــــب (ديوان أغاني وأزجال).
 (4)زهرة من الجنة ( ديوان أغـــــاني وأزجال).
 (5)بستان العشق  (ديوان أغـــــــــاني وأزجال).
 (6) جنة الحب (ديوان أغاني وأزجال للأطفــال).
 (7) إغتيال قلب  (ديوان  أغـــــــــاني وأزجال ).
 (8)  المرجيحة  (ديوان أغــــــــــــاني وأزجـال).
 (9) العاشق الكذاب (ديوان أغــــــــاني وأزجال).
    (10) أزاهـــير المـــــسرح (مســــــــــرحيـــــات).
    (11) مختارات من أجمل مؤلفات الأديب / جمال البيلي.
***ويمكنك الآن عزيزي القارئ قراءة كل هذه المؤلفات باستخدام الرابط التالي:
https://plus.google.com/u/0/112674594392432263256#112674594392432263256/posts
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مؤلفات الأديب / جمال البيلي المترجمة من اللغة العربية إلي اللغة الإنجليزية والمنشورة حالياً في مدونات (آداب خالدة) باللغة الإنجليزية:ـ
 Blog 1: Immortal Literatures (1):with book (Paradise of Falsity) (Poetry book).
Blog 2: Immortal Literature (2):with book (love Song) (book of songs and colloquial poetry).
Blog 3: Immortal Literatures (3):with book (Assassination of Heart) (book of songs and colloquial poetry).
Blog 4: Immortal Literatures (4):with book (The Swing) (book of songs and colloquial poetry).
Blog 5: Immortal Literatures (5):with book (The Liar Lover) (book of songs and colloquial poetry).
ويمكنك الآن عزيزى القارئ قراءة كل هذه المدونات باللغة الإنجليزية بإستخدام الرابط التالي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مدونات الأديب / جمال البيلي في التصوير الفوتوغرافي والفنون التشكيلية;ـ
 Blog 1 : Global Images (1) : with the images of Istanbul trip (part 1
Blog 2 : Global Images (2) : with the images of Istanbul trip (part 2
Blog 3 : Global Images (3) : with the images of Nepal trip (part 1
  Blog 4 : Global Images (4) : with the images of Nepal trip (part 2
 Blog 5 : Global Images (5) : with the images of Nepal trip (part 3
 Blog 6 : Global Images (6) : with the images of Malaysia trip (part 1
 Blog 7 : Global Images (7) : with the images of Malaysia trip (part 2
 Blog 8 : Global Images (8) : with the images of Malaysia trip (part 3
 Blog 9 : Global Images (9) : with the images of Malaysia trip (part 4
 Blog 10 : Global Images (10) : with the images of Malaysia trip (part 5
Blog 11 : The Poet / Gamal Elbialy blog in arts



Blog 12 : Around The World (1): with the images of The Poet / Gamal Elbialy trips around the world (part 1



Blog 13 : Around The World (2): with the images of The Poet / Gamal Elbialy trips around the world 
(part 2



Blog 14 : Around The World (3): with the images of The Poet / Gamal Elbialy trips around the world (part 3



Blog 15 : Around The World (4): with the images of The Poet / Gamal Elbialy trips around the world (part 4




Blog 16 : Around The World (5): with the images of The Poet / Gamal Elbialy trips around the world (part 5 
ويمكنك الآن عزيزى القارئ قراءة كل هذه المدونات باللغة الإنجليزية باستخدام الرابط التالى:_
https://plus.google.com/u/0/112674594392432263256#112674594392432263256/posts
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
***ملحوظة هامة : ترسل جميع الرسائل والتعليقات علي عنوان البريد الإلكترونى للمؤلف وهو:
   gamalelbialy@rocketmail.com
وسيقوم المؤلف بالرد عليها بنفسه في أقرب وقتٍ ممكن .

الأرشيفات

20‏/04‏/2014   24‏/04‏/2014   13‏/05‏/2014  

This page is powered by Blogger. Isn't yours?

الاشتراك في الرسائل [Atom]